لمَنِ الرِّثَاءُ؟ - عبد الكريم غاوش

 



هاقد حلَّ مجدداً

صديقي الصّدوقْ!

مرحباً بك..لا تنزع حِدائك

فإن الثَّرى نَطُوقْ

وأنا لا أستسيغ كثرة الأصوات 

جِيادكَ من نسيمٍ يسوقْ

قافلتي، وإلى شعري يَثوقْ


فإقعد يا أيها الليلُ في سكون

ولا تكن كالصبحِ..كثيرَ الشُّجون

وأنصت ...

لعل الإنصاتَ..يُذهبُ الذُّهول:


يا ليلُ كم طال الغيابْ     تركتنا في الصُّبح بلا إيَابْ

تزورنا بين الحين والآخرِ     كعاصفة تترك خلفها اليَبابْ

لا تجدُ منّا سوى أبداناً         نصف حيّةٍ، تطفوا في الْعُبابْ

لكنّي بقيت اليوم يقضاناً       مُنتظراً، لعلَّكَ طارقٌ البابْ

لنرقص ورنّاتِ الصّرارِ         ونَسمع هموم سكرانٍ وعِتابْ

وإن جلجل صوتُ صرصورٍ     أو غارت رؤياك جيشُ ذبابْ

والله في سكونكِ عالمٌ لا      يُذركه من الى النوم  قدِ إنساب

لما أيها الزمان لما          تَقْصرُ كلما الليل قدِ إغتابْ

قاتلٌ أنت أيها الزمان قاتل    تقتلنا في كل صبحٍ، وتقتل من الكلمات كِتابْ.

الساعات تمضي..كغائلة ذِئابْ

بينما نستلقي في هذي الرّحابْ

نزعم أن أهلها لنا بالتِّرحابْ

لكننا مجرد نائمين في نعش الصّباح

حيث الشَّقاء...

ينثرُكَ في حقله الفسيحِ هَباءْ

كم نحنُ سُفهَاءْ...!

نكتب عنك قصائد ثَناءْ

ونحن نستجدي قصيدة رِثاءْ!



أمس كتبت عن الليل شعرا

والليلة أكتب،عن الشِّعر شعرا

فيا أمير الليل إرمي..إرمي بعباءة النجوم

ويا عرائس الغاب شذواً لشذوِ الكُروم

الناس تبكي اليوم، وقد تعكرت الغيوم

وأنا أراه كغادة، بالكُحل زانت اليوم

لي في الأمطار عيدٌ..والعيد لا يطول

أخال الحر شراً..والشرّ ثوانٍ لا تزول

أخال الميت حياً..وما عساه أن يقول

تخاطب الأنواء الطبيعة فتقول:

"ها أنا ذا هاوية..فلا تخالينني ملاكاً عصى

وأتركي لي في فؤادك داراً ،وأفنانكِ بُردَى"

فترد الطبيعة في بهجة:

"هلمي إقسئنت الأرض ،وباتت جردى

هلمي يا أميرة السّما ،وإبعثي الوردَ"

"أميرة مَن ومِن أين يا ذات الأسيل المُندَى

وأنا أعيش لثانية، لا أرى سوى الأَنَام بَردَى

لا أرى سوى الجُدران تَنْدَى

لا أرى سوى الجفون سَجْدَا

لعلَّني كيوم المصيف أرضى

وكأنني عشتار أقضي، لتصير الأرضُ أرضى!"


"يا أمطار..يا فناء

يا ويلكِ إن ذِقتِ الخلودْ!"


"يا أرض..يا خُلودْ

يا ويلك إن عِشتِ الشِّتاء"


"لا تعرف أرضي إلاّ الجُرُودْ

وتُزهر حتَّى الشتاء"


"تُزهر وتذْوى الوعود

وأعود ثانيةً فناءْ!"



وظل الحديث بين الأرض والمطر

والريح تعصف في الشَّجر

الغَدير رقرق في سفر

نحو أفواهِ الرُّعاة



وتسامى التراب زوبعات

يشتت نغمة الأبيات

وترتمي عبثاً كلمات

من أفواهٍ كالرُّماة




سمعتُ..أصواتاً عجيبة

أصوات الجان المُهيبة

سمعت سيدهم يقول بِريبة:

"سَارعوا جيشاً..قد حلَّ الغُزاة!"


جيش الجان قد عَبَر

طبول الحرب كانت مطر

السيف ضباب مُكفَهِر

فما الغزاة..فما الغزاة؟

وما الغُزاة إلا البشر!




رشيد سبابو

المؤسس و مدير التحرير

إرسال تعليق

أحدث أقدم