جمرة الشعر.. أفكارٌما - نصير الشيخ

 



 

1

ــ إلى أين يأخذنا الشعر..؟

إلى أي فضاء نحلق فيه لنعيد تخليق حياة نحبها، نؤمن بها، نعيش لحظاتها، ونواجه إنكساراتها لتتركنا فيما بعد عند  مشارف عمرٍ يلَوح لنا بذكرياته.

وهل يستحق الشعرمنا عمرا بأكمله ؟؟

ولماذا يضع الشاعر نفسه في حقل ألغامٍ ربما، لتأخذه القصيدة فيما بعدٍ إلى مناطقها البعيدة..

وكيف له القبض على رؤاهُ المحلقةُ ومن ثم صوغها جماليا عبر الكلمات، كل هذا وهو يمدُ نسوغ تواصله مع آخر" متلقٍ" يريد إيصال دهشة قصيدته إليه، دهشة الشعر كلها ممزوجة مع السنةِ الوجع العراقي، ومحاولات اندثار الانسان الحقيقي بفعل التهميش والسياسات الخرقاء وجيوش الظلام الزاحفة من كل صوب.

والشعر.. ربما لايواجه أزمة في نطاقه الداخلي، أي ما يتعلق بصياغاته الفنية والجمالية ضمن إطار الكتابة كمساحة اشتغال، وإنما يواجه هذا المد من الإندحارات حد تهديد الوجود الفيزيقي للفرد. من هنا يظل الشعر معبراً عن صوتِ دواخلنا الثائرة... ومعْبراً لحياة تقترحها ذائقتنا المتوهجة على الدوام..

 

 

 

2

والشعرربما لايواجه أزمة في نطاقه الداخلي، أي صياغاته الجمالية والفنية، وإنما يواجه هذا المد الخطيرمن الإندحارات السياسية حد الوصول للتهديد الحقيقي للوجود الفيزيقي للفرد. من هنا ربما ظل الشعرمعْبراً نحو الإحتجاج الدائم ضد السلطات والقوى.

وربما تتفق الدراسات الأدبية على أن الشعرهو عمل "مخيلة" بامتياز، لما له من فضاءات شاسعة في التصور ومن ثم الإمساك بالمعنى. ولأن فعالية الشعر هي البحث باستمرار عن مناطق جديدة تعيد بهاء الكتابة لسماءها الأنقى، صار لزاماً على الشاعرأن يخطو لحافاتِ اللمعان ويولي وجههُ أبدا صوب الينابيع القصية.

ولأن عمري الكتابي قارب الأربعين عاماً، صارمن الخبرة والاكتشاف أن اكتب نصاً شعريا يحلقُ في فضاءاته ويخلقُ بنياته النصية مرتبطاً بخيط سري مع مرافئ الواقع، الواقع الذي علينا الإقرار دائما أنه ضارب بعمق في البنى الشعورية للشاعر، والمفتوح على صورٍ وآفاقٍ مهولةٍ تهجس بالكثير.

 

3

والشعر هو أحد تمظهرات الوجود الإنساني، ذلك أنه النشاط التخييلي الذي يدلك إلى مكامن الواقع بغرض التقاط مفرداته لإعادة صياغتها مجددا بلغة تشق طريقها منبعثة من غنائية خفية أسميها أنا ـــ نشيد الروح.

ــ إن الكتابة حقل اشتغال معرفي إلى حد ما، وهو وعي قبل أن يكون فطرة... حتى عملية إنشاء نص أدبي هي نقد للحياة...!! أي تفكيك شفرات هذا العالم وزحزحة يومياته ومن ثم إنشاء معمارية جديدة تساهم في بناء الوعي الجمالي للآخر... وإذا كان قدري أن أكون شاعرا وشاعرٌ بامتياز.... فهذا يحسب لي، ولكن من قال أن الكتابة تنتهي حدودها عند إنشاء قصيدة..؟؟ على العكس أرى أن الشعر وهذا ماتشير إليه النظرية الأدبية (جامع الفنون)... كنص كتابي، ولكن الدراسات الألسنية والتحولات المعرفية التي حصلت، ساهمت في تنافد الأجناس الأدبية، وكذلك تداخل الكتابي بالمرئي قد خصب مناطق جديدة.... وأصبحت الكتابة الجديدة فضاءا إبداعيا يلتقط إشاراته من حقول الإبداع الآخرى، وبالوقت نفسه يمد مجساته لتحسس أكبر قدر من الحرية في اكتشاف (نصوصية) محدثة كاللوحة أو الفيلم أو القطعة الأثرية أو الصورة الفوتوغرافية أو جماليات المكان أو استدعاءات الذاكرة.... لذا يبقى الشعر هو الحقل الأثير بالنسبة لي، وهو الفضاء الذي ــ تتأين ــ فيه شحنات الكتابة الآخرى... و ما مقالاتي ودراساتي عن الشعرية العراقية والتي نشرت في أغلب الصحف العراقية والدوريات الأدبية، وما "نقودي" وحواراتي في حقل التشكيل بالذات، إلا محاولة جادة ومستديمة للكشف عن عناصر الجمال فيما هو مخبوء وكامن، ومن ثم التفاعل في حقل النقدية، وبما يؤمن لي موقفا وجوديا من معطيات الفكر والفن... لأنهم (( لايقولون كانت الأزمنة رديئة، سيقولون لماذا صمت الشعراء))...


- نصير الشيخ (شاعر وناقد عراقي).



Post a Comment

Previous Post Next Post