السؤال هو ما نريد كي نفهم ذواتنا؟ وكيف نؤثت لمسرح ينظم أجزاءنا المتناثرة؟ أ نريد مسرحا أم شبهه؟ أصناما سميتموها أنتم وآباؤكم ، غير متفاعلة وبليدة الحس والمشاعر وما الذي ينقلنا من اللامعنى الى المعنى ومن الهواية وإلى الإحتراف لاكتشاف معاني مسرحا قويا يستجيب لقراءة الجهابدة من النقاد ولضرورات العصر المتسارعة.
كل المدارس المسرحية الكلاسيكية كانت أو الحديثة دأبت على درب الإتفاق على الأصول في التقعيد لمسرح هادف،واع ومقصود، يستخدم الدلالات والرموز لتحقيق الإنسجام البالغ بين المسرح الفكرة والتصور والفضاء والخلفيات وروحه المعنوية والشكلية والتي يجليها جاكوبسون في الدال والمدلول والمرجع لإيصال شيفرة الرسالة ولتحقيق شرط التواصل بين المرسل والمرسل واليه مع التنبيه إلى ضرورة احترام المتلقي بجعل الرسالة الفكرة أو المهيمنة كمايسميها جاكوبسون نقطة إدارة للأحداث والقوى العاملة بم يساعد في ضبط الخيط الرفيع للنص ،و حتى لا تسقط الشخصيات في درب الهواية والإرتجال. إننا نبحث عن المسرح الحقيقي وليس شبهه، عن المتانة في الأداء وليس الهشاشة ،عن الفرجة والمتعة والإقلاع بالخيال والمشاعر إلى الحدود التي تجعلنا واعيين بأنفسنا كون المسرح عمل وممارسة جبارة وواعية وكيان وعالم واسع ومثقف ،ولد من رحم المعاناة، وشمل الأزقة الضيقة والمعامل والإدارات والجامعات بالتصوير والمحاكاة ومنحها طابع إنساني شعوري كما فعل الرومانسيون حينما كلموا الطبيعة وعملوا على أنسنتها ،فلم لا نكلم المسرح نمنحه روحا وعقلا إنه أجدر بذلك وأوسع من أن يضيق علينا ،فنحصر ذواتنا في أفكار مبتذلة يسوقها الرعاع والأميون .
إن الذين يجنون على المسرح ،لايعرفون أن الذوق المعياري في فهم النص المسرحي لميت ولآهل للسقوط،فالكل أصبح يفهم في المواضيع لذا وجب احترام عقول النقاد والمتلقي الذي يفهم أساسيات وضوابط المسرح النقي المثقف، المقصود الواعي المدروس المؤطر بكبار المخرجين العالمين أندري مارتني،ستانيسلافسكي، وبريخت وآخرين..
فالناقد المثقف واع بتفاصيل المسرح و أبجدياته الخفية متفرج له بصيرة بالمسرح وعين ثاقبة ملم، ينظر إلى الشخصيات وعواملها المترابطة (النمودج العاملي )وعلاقاتها الوشيجة أو الوثيقة بالفكرة المضاءة الناضمة لتك العلاقات، لتحقيق جمالية المشهد أو الصورة الجامعة المعدلة والتي تتفق مع منظوره هو ،إنه يؤمن أنه إذا استقامت الوسيلة تحققت الغاية والتوظيف الفعلي لهؤلاء العناصر المؤثتة للمشهد المسرحي.
فالحقيقة أن العالم يعيش ثورة إعلامية وقفزة نوعية في مجال الإعلام، وكل قناة إعلامية تنافس أختها، لتوفير الجودة والمتعة لزيادة الإغراء على منتوجاتها،وتقوية حضور نسب مرتفعة من الجمهور وهذا لن يتأتى إلا بتحقيق التواجد النوعي للنصوص التطبيقية غير المنمطة والمحنطة التي تنسخ سابقاتها ،فالمتفرج المعاصر ناقد ملحاح،ملم بالعلوم والحقول وينظر إلى المادة الفنية والمسرح على الخصوص بعين التفحص والتحليل والتمكن ولكونه يدرك ماهية الأشياء ،يطرح الأسئلة ،فضولي حتى التمالة مالذي يميز هذا النص عن سابقيه ؟وما غاية وجودي داخل هذا الفضاء المسرحي.فلن يقبل بالرخيص المبتذل وتحصن بمناعة قوية ،استقاها من تلاقح العلوم وتجاذب النظريات الحديثة التي طورت من قوة الشخصية في المبادلات والمعاملات التجارية التسويقية، وتولدت من غير قصد شخصية بطولية قوية فرضت نفسها في الأسواق كالأبطال في ساحة الوغى ،ونوعت شطارتها بلغة صلبة وحوار مثين في المؤسسات العامة والخاصة من فصاحة وحصافة اللسان وتوضيح للفكرة وتنميقها مما يدعونه بفن الماركوتينغ ،فالمسوق الناجح شخصية قوية كونت نفسها وطورت من الأداء وقوت لغتها وتأثيرها البلاغي على الشخصيات.
فالوزير والبرلماني وكل الرؤساء في أمريكا يعمل مديروا الانتخابات على تأهيليهم نفسيا وبلاغيا يدربونهن كيف يقفون على خشبة الواقع ،على تجسيد الشخصية الجديدة وتحقيق شرورطها التمثيلية لتوخي الإنسجام،أليس هذا مسرحا وإن كان غير مقصود؟ ولكنه يحقق وظيفته التواصلية والعاطفية والتأثيرية.لتحقيق نسب كبيرة من الإثارة والإنتباه.
أليس هذا مسرحا؟ لقد صار المسرح جزءا منا فالكل يمسرح ويفهم فيه الإختلاف أن من الشخصيات من حققت مسعاها ونجحت في أدوارها المتعددة ومنهم من لا يستحق الوقوف على الخشبة.
إذن مالذي حصل مع توالي الأحداث وتغير الزمن و الخطاب ،فالشخصيات التي حملت المشعل قد تكون طويلة قصيرة رجال ونساء والديكور موجود طولا وعرضا ولكن الشخصيات بقيمة الكراكوز ،إنه الخواء والفراغ المنهجي والفكري والشاعري واللاشعوري، أصناما تدير عقارب الساعة ،لا هي بالمسرح الكوميديا ولا المحتوى الهادف التثقيفي ،ولا هي من مسرح العبث لأن لهذا الطابع قوانينه وأسسه ويحترمون الضوابط وإن كانوا يختلفون بالفكرة والمنهج ولكنهم مدافعون عن قيمهم وأهدافهم.
لقد أضحينا الآن بين أيدي شخصيات صعلوكية تتزعم المشهد الفكري بلعها البر والبحر والواقع، فتطفلت على المسرح النوعي الشامخ ،هؤلاء الغلمان برزوا في الإذاعة والتلفزيون واحتكروا عقول المشاهدين في القنوات الخاصة والعامة ويسمون أنفسهم بأصحاب الفرجة و أن لهم الفضل في إحياء المسرح الشعبي الدلالي الواقعي ،ضجر منهم الجمهور لكنهم لا يزالون على التأييد من المشرفين على الحقل المسرحي ،انحطاط في الأداء والتشخيص وتفنن في الاستهتار وغياب ثام للمحاكاة والتعبير ،غرضهم استهلاك الوقت بالهدر الكلامي البذيء بغاية إضحاك المتفرج وتسليته،،إنه نوع من التيه والاختباء وراء حكايات وأحجيات السواقين والمزاح المغلظ الذي لا يرقى إلى الصفاء الدهني والتطهير الروحي الذي يجعل المتفرج يتخلص من مكبوتاته ونزواته القديمة والمجتمعية،التي تضخمت عبر المعاناة التي اكتوى بها ،فما عاد المسرح شافيا كافيا يلهم الصغار والكبار يأخذون له المواعيد الطوال منتظرين حضور وازن للنقاد والنجوم اللامعة من شخصيات مثقفة بارزة ،تعطي للفكرة قيمة كبيرة، وتفحم النقاد بالأداء المشرف والتصوير والفكرة الرنانة التي تصلح الفاعل والمفعول به ، تساعد الإقتصادي والسياسي على فهم العيوب وإصلاح ما يمكن إصلاحه من القيم الغاءبة.
إن الذين ينادون بتشجيع الوجوه الجديدة أو الموجة الجديدة بدعوى التنوع والاختلاف ومسايرة دينامية الفن لا يفقهون الفن ذاته وليس بالتفاهة والميوعة والاستهتار ننهض بالفكر .
إن الأدب يبقى أدب والمسرح له مواهبه وشروطه،و أهله الذين يفهمون فيه،فالمسرح أبو الفنون تتلاقح فيه الفنون كلها من قصة ورواية وموسيقى واحتفالات وتشكيل وحلقيات وحكواتي ومفكر ومتدين ، ومنظر وشاعر .كل يستطيع أن يندمج فيه يتقمص الشخصية المحورية،،فالشخصية ميثاق أخلاقي واقعي رمزي أسطوري، دلالي مليء بالعناوين والعبر الواعية المحاكية للأشخاص كيفما كان هرمها الإجتماعي، يدرسهاويتمكن من تأطيرها ،ويلبسها كثوب خشن أو حريري تارة يكون لينا وتارة أخرى خشنا مستوف كل الملامح والتجسيدات التي يفرضها الدور المنوط للأحداث فالمسرح صورة حية للمجتمع،وكما قال الرواد اعطيني مسرحا أعطيك شعبا،واعيا مثقفا ينفصل عن السلوكات التي تؤدي بالأطفال نحو الهامش ،فعندما تخلى المسرح عن وظائفه المتعددة ،انتشرت الجريمة، والفساد وتلاشت القيم ،وغابت المعارف وسادت الثقافات الدخيلة التي لا تنتمي لمجتمعنا ،فكثر الزيف والتقليد وغير الطاوس مشيته ونسي عادته،وتقهقرت الضحكات البريئة، وانتشرت الأعصاب والأمراض، وحقق الاكتئاب أرقاما قياسية وامتلأت المحاكم بالطلاق مع كثرة الروتين داخل البيوت مما شجع في قبول شخصيات مسرحية مائعة من مختلف البلدان تشيع المبتذل والرخيص من الفن يثير المتع والغراءز بدعوى تشجيع السياحة كمهرجان الضحك وبرامج أخرى. فهل لنا عودة لخلخلة أدبنا وتقييمه ومنحه القيمة المنوط به لإرساء دعاءم مسرح قوي تربوي هادف ومتوازن شكلا ومعنى يدافع عن قيم العقل والأخلاق ويربي الروح.