لعنة الفقر - صفاء الحضري

 



الثامنة صباحا

صوت العصافير، رائحة الخبز موسيقى هادئة، أقدام كثيرة، سيارات في كل مكان.

طفلة بريئة بعينين ساحرتين، غمازات زهرة على خدها، وجه كشروق الشمس، شعر حريري أشقر، نور سماوي في عينيها، كتلة من الجمال والبياض، ضحكتها نسمة من نسمات الصيف، عيناها كفراشات الريف المضيئة.

فتاة، قطة، بل ملاك. وردة، ياقوتة، بل ريحانة، قمرية سبحان من سواها، تنهد الرياح يجعلها تغمض عينيها بقوة، ثم تفتحهم والبراءة تكسوا ملامحها الطفولية، تنتظر وقوف السيارات، تحمل علبا عديدة من المناديل وتتتجول بين الطرقات.

واقفة على الرصيف كعصفور نسي كيف يطير، وردة في ذبول الأخير، ترتعش من شدة البرد الذي أنهك جسدها الهزيل، بل الفقر الذي أنهكها وجعلها تقف على الرصيف بدل المدرسة وتنتظر وقوف السيارات بدل دخول الأستاذ. تبتسم لزبائنها لتظهر غمازات جذابة على خدها تكاد تظنها هاربة من الرسوم، إبتسامة باهتة تزين محياها، إبتسامة مزيفة تحكي الكثير، حزن عميق وجامد في عينيها الواسعتين، أظن أنها فريسة لقلق غامض، فريسة الفقر اللعين، فريسة أبو الجرائم. أظن أن لها أحلاما كثيرة، لكن الفقر لم يمهلها لتحقيق أيا منها، عقبات وحواجز تقيدها عن ممراسة الحياة.

أين حياتها؟ طفلة في سنها وفي هذا الوقت يجب أن تكون في المدرسة، تحتضن الكتب وليس المناديل.

ماذا أفعل؟ هل أسألها؟ عن ماذا؟ أين أمها؟ لاأدري، لماذا لا تذهب للمدرسة؟ تتراكم الأسئلة في رأسي وأنسى المحاضرة وأتأمل عيناها.

أريد مساعدتها، بماذا؟ نقود، لن تكفي، لا حيلة لي في الأمر، أخبئ كل أسئلتي وصراعاتي بين عيني وابتسامتي الباهتة، وأحتفظ بهم لنفسي وأمضي، الواقع مرعب والعالم مكان قاسٍ، قاسٍ جدا...



Post a Comment

Previous Post Next Post