والصبح اذا تنفس - محمد صغير


 «أود صرف بقية عمري بين جدران ملآى بالكتب، لا في خذر حبيبة.»

.قالها وهو ينصرف من مكتبة، يتأبط رواية ويقلب بين يديه كتابًا جديدًا، "رجال من التاريخ" لعلي الطنطاوي رحمه الله


أنزل الحقيبة من على ظهره، وجعل فيها الكتابين، ومشى لا يلوي على شيء، الجو لطيف والشمس تداعب الوجوه، طفقت بباله أن .يركب الحافلة ويعود للبيت، بيد أن الفكرة انزلقت وجاءت بدلها " اجلس بمقهى وأكمل القراءة"


.منح طرفه الشارع الطويل، اكتظاظ غريب، أهو يوم الحشر! يا الله 


.يكره الزحام، وكثرة السابلة، حث خطواته، وتقدم نحو مقهى لأول مرة يلجه، اختار طاولة في المقدمة


.أنزل عظامه على الكرسي، ثم فتح الحقيبة، طلب قهوة بدون سكر


فرك جبينه! فكرة عالقة بذهنه مذ أيام طوال، يرغب بكتابة رواية، فكرتها تتكون في قريحته، لكنها لا تكتمل، يتعبه الامر، يكرر ذلك، .لكنه لا يفلح


أخرج من جيب صغير بالحقيبة، علبة سجائر، منح شفتيه واحدة، وراح يدخنها ويفكر، ماذا لو انقطع عن العمل لفترة، يطلب اجازة، ويخلو بنفسه، يسافر أو ينعزل في البيت، أليس أوان روايته الأولى؟ يمتلك ناصية من اللغة، وقريحته في تدريب مستمر، وملكته اللغوية ..حسنةٌ


وضع النادل فنجان القهوة في مهارة محمودة، ثم قال فجأة: قرأت للعقاد كتابًا واحدًا، ليس هذا الذي عندك طبعًا! آخر! اسمه ! امم ! نعم .. حياةُ قلم.


!نظر إليه في اهتمام، صافحه! استغرب النادل 


-كل من يقرأ للعقاد، صديقي! ولو كانت جملة واحدة من كتبه، مرحبًا 


!أجابه النادل في دهشة: مرحبًا! أهلا


قال له : المهم يا صديقي، أنا محمد، أعمل على رواية لي، وجديد بالمدينة، أتيت إليها قبل شهرين! لعمل جديد،ليت شعري! لكني لا .احبه! حياتي أراها تقول لي: أنت كاتب


!تبسم النادل: موفق يا محمد، أنا هنا ان وددت شيئا، ما عنوان روايتك بالمناسبة


!ردّ عليه : لم أكتب فيها حرفًا، مازالت فكرة تتكور بدماغي، حتى يهواها قلبي، وهكذا.. فلسفة 


.وضحك باحترام




طبطب النادل على كتفه، وعاد لخدمته الصباحية، وهو "محمد" جال ببصره للحظة فصادف فتاةً تنظر باهتمام، وتبتسم! ثم وجمت في لحظة وانكسفت خجلةً.


..كانت تسترق السمع والبصر اليهما في حديثهما إذن 


!عاد ينظر! حملت كتابًا، بين يديها ومنحته غلافه، عنوانه "ساعات بين الكتب" لعباس العقاد


هذه مسالك الحياة يا صاحبي، تأتيكَ معانيها بغتةً، كأنمَا الخير يحمل نفسه إليك، لانه عرف سبيله نحوكَ بقدرة من السماء.


تنهد في عمق ثم طبطب على الكرسي بجانبه، ثم رآها تحمل جمالها وأدبها وكتابها، وأتته كجيش غاز له، وهو المستسلم، ورايته .البيضاء ترفرف مذ جلس على الكرسي



رشيد سبابو

المؤسس و مدير التحرير

Enregistrer un commentaire

Plus récente Plus ancienne