تؤمُّلات - رشيد سبابو

 




(1)


بخطواتٍ متثاقلة وأقدام هشّة تداعبُ الأرض أمشي، منحني الرأس إلى اللاّمكان، أعبرُ جميع الإتجاهات و أدلفُ كل زقاقٍ قريب، ألامسُ عبثية خطواتي، كلما وصلتُ لمكانٍ فقدت الطّريق.

في منتصف الشّارع كادت أن تصدمني سيّارة، لا أعلم إن كان الأمر يستدعي القلق، ماذا لو صدمتني و ألقتني صريعاً غارقاً في دمائي؛ لا أظن أن الأمر مهمّ!

ما هو أسوء شيء قد يحصل لي و أنا أتمشى في الشارع؟

لست أعلم و لا أريد أن أعلم، لأنني ببساطة غير مهتم لذلك، أنا فقط أريد أن أمارس هوايتي كل مساءٍ؛ أن أتمشّى بين عشراتِ الرؤوس البشريّة الغريبة، و أفكّر في الكثير من الأشياء التي تضجُّ داخل رأسي، و أتساءلُ أسئلةً لا حصر لسُلطتها عليّ.

سأستمرُّ في المشي بعشوائيّةٍ دون توقّف، متجاهلاً مخاطر ذلك، لعليَّ أجد إجاباتٍ أو أموت في حادثةِ سيرٍ عبثيّةٍ و أنا أحاول!



(2)


الهواءُ الدّافئ يتدفقُّ بصعوبةٍ إلى أعماقي، بعض الأصواتِ أصبحت واضحةً جدًّا، غريبةً جدًّا ..

رنين الباب المُزعج يتكرّر داخل عقلي ببطئٍ شديد؛ قاتل، فرقعاتُ الأصابع المُتوتّرة و المُنتظمةِ بشكلٍ مُريب، الصّرخاتُ المُتقطّعة الآتيةُ من الخارج ..

أصوات،

غريبةٌ، مملّة، قاتلةٌ بتوحُّش؛

تغتالُني و المَلل ..



(3)


لونها فاقع، بنفسجيٌّ بهيّ، تتلقف قطرات الماء من يد السّاقي برشاقةٍ، فتجازيه برائحة عطرةٍ كأنّها ريح الجنّة ..

تتوالى الأيّام و يزداد انحناء ساقهَا، يتسرّبُ المرضُ إلى أعماقها، يتحول بسرعة غريبة لونها إلى القتامة ..

تمُوت بموت السّاقي.



(4)


 في كثير من الأحيان لا شيء يجدي نفعاً، لا شيء يعود صالحاً، نظرتنا للنّاس و العالم تصبحُ سوداويّةً، لا نعود متصالحين مع الوجود؛ وجودنا ..

وجودنا غالباً ما نراهُ عديم النّفع، عديم المعنى، و يحمل في طيّاته من العبثية و الصراعات الكثير، و نحن لا نستطيع تحمّل كل ذلك، لا نجد مخرجاً من بحر أسئلتنا الوجوديّة!

السّؤال الوجوديّ هو بداية الغرق .. الغرقُ في البؤس، الغرق في الألم و الجدالات الدّاخلية التي لا تخرج منها بأجوبة.

كثيراً ما تمنّيتُ لو أنني كنت بعيداً عن كل هذه التّساؤلات، لو كنت إنساناً عاديًّا، لا يفكر في أمور كبيرة، لا يسأل عن أشياء غامضة، يقبل بما يقال له، إنساناً لا يستعمل غريزة التفكير فيما يقبعُ في عمق السّماوات، و ما يخفيه الموت، و جدوى الوجُود .. 

تمنّيتُ لو أنني لم أكُن!



Post a Comment

Previous Post Next Post