سعيد فتاحين، كاتب جزائري
الكِتابة هي لحظة تشكل كل الشعور والأسئلة الوجودية عن هذا الإنسان داخلنا.
"لا تحدثني عن جريمة راسكولينكوف، بل حدثني لماذا تعاطفت معه حقًا".
إنَّ مهمة الكاتب هو بناء جدار من معنى الوجود الإنساني خلف الجمل القصيرة التي تُخلف شعورًا ساكنًا كالحلم و الضمير داخل هذا الإنسان ،إنَّ السعي خلف كِتابة عمل إبداعي جيّد يتلخص في سرد يخترق مشاعرنا و يجعلنا نتعاطف مع راسكولينكوف الذي لم يستطيع أن يفعل أي شيء سوى أن يقتل عجوزًا تاركًا خلف هذه الجريمة عقابًا نفسيًا يتشكل في وجدان القارئ و مشكلاً لكل المسارات السرديّة و الأنساق التي تقودنا إلى لحظة تشّكل إنفجار مشاعرنا داخل النص وهذا الغرض المطلوب من الكاتب الذي يشكل جبلاً من المعنى و القارئ يركض خلف آلاف الأسئلة داخل النّص وتحوّله و بناء رابط مع الشّخصيات التي أصبحت جزءًا من رغم زمن كاف للنسيان لكننا لحد السّاعة نتحدث عن الجبلاوي و زوربا و وليد مسعود و آنا كارنينا و غريغور سامسا ،كل هذا يأتي نتيجة وصف يخاطب الإنسان من كل النّواحي والتيّارات و المجالات و الأذواق ،و إنَّ الكِتابة الإبداعية لا تحتاج إلى أن تخبرني عن مغيب الشْمس في الصحراء أو لحظة وقوع الفراشة في يد الصياد و إنما هي رحلة سردية بتأثيث عن كيف تتشّكل خيوط الشّمس على الصحراء و تنعكس على عين الإنسان وماذا يعني المشهد و ماهي أسئلة المغيب لحظة مغادرة الشّمس و إنسدال الليل، أو لحظة تتبع أثر الفراشة و اتجاهاتها للهروب من يد الصيّاد، وهذا يحتاج إلى تفكيك و قراءة جبل من النصوص الإبداعية وفهم تشكل الكِتابة في حد ذاتها حَتَّى يمكن أن نكتب شيئاً يستحق القراءة ،و إنَّ بناء الشخصيات بتفيكرها وفلسفتها و بيئتها و شكلها يخلق تعاطفًا مع الشّر الكامن أو الخير الكامن داخل الإنسان و محاولة فهم كل ما يتعلق به. وهنا تستوقني شخصية جمال لكحل الرجل الذي لم يستطع أن يكتب على راحته لأن عقلهض أصلاً كان في حالة خلل و لا يمكن أن يشكل فكرة مريحة عن ما يكتب، وتقول فيليب روث "الكتابة هي أشبه بمخدر يريده جميع النّاس، و لا يستطيعون التخلي عنه بفعل القراءة، و القراءة في حد ذاتها فعل مسالم يقوم على سؤال الإنسان لنفسه وهي إحدى لحظات تشّكل الوعي".
إنَّ ما نفهمه من فعل الكِتابة السردية هي أن يتشكل شعورًا لدى القارئ و يتعلق بأحد شخوص الرواية حَتَّى لو كانت ثانوية و تصبح الشخوص الأخرى هي إسقاط لشخوص واقعية نعيش معها وهذا ما يمكن أن تفعله بنا الكتابة الإبداعية أو بالأصح ننسى أنفسنا تماما لحظة القراءة. ولهذا نجد أن بعض النصوص و الشخصيات خالدة بالأدب لا تموت بل تتوارث حَتَّى تبقى شاهدة على هذا الإنسان و تعبره عن بالأدب.