تمرين الإنشاء الأدبي - عبد اللطيف السعيدي

 



  تقديم  :

كثيرا ما تسمع أحدهم يقول أن ما يقوم به فلان أو علان مجرد إنشاء في نوع من الاستصغار من قيمة ما كُتب أو دون وغالبا من يتفوه بمثل هكذا كلام قد يكون مستواه المعرفي - التعليمي جد وضيع وهزيل أو حتى شخص حاقد .

ما يجهله هؤلاء أن الإنشاء الذي عرفه المتعلم مذ الابتدائي يعد اللبنة الأولى والحجر الأساس لكل إبداع قد يأتي بعد ذلك .

الأمر سيان مع كل لغة سواء كان العربية أو الفرنسية ، حيث تجد أصداء النصوص المدرسة تنبجس في التعبير باعتبارها نصوصا ذائبة  تحفز المتعلم على التعبير والتخييل والإبداع .

فكل كاتب اليوم معروف أو شاعر، لابد أن يكون  لمكون الإنشاء والتعبير دور هام في أخذه صنعة وحرفة الكتابة ، وإذا عدنا إلى مكتوبات التعبير لدى المتعلمين وقمنا بمسح كلي لها ستجد نصوص عظيمة كتبت أو كان بإمكانها أن تكون كذلك لو تبعت بالشكل المطلوب ومتابعة  أصحابها بدقة وتفصيل .

 1 القراءة والإنشاء :

لاشك أن عملية القراءة كانت ضرورية ولهذا قلنا أن أصداء النصوص كانت توجد في الإنشاء المكتوب . يقول الناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو في هذا الصدد :

 " وأركز على مادة الإنشاء لأن التلميذ الذي يقوم بهذا التمرين كاتب بالقوة فمواضيع الإنشاء هي مواضيع الرواية والقصة بل والشعر: صف طلوع الشمس وغروبها ، كيف قضيت عطلة الصيف ، تحدث عن أمجاد الماضي ، صف رحلة في القطار ، حادثة سير ، جولة على شاطئ البحر ، هل الغني أسعد من الفقير؟ صف مشاجرة بين قط وكلب ،  قارن بين البادية والمدينة ، بين فصل الشتاء وفصل الصيف ، تصور حوارا    بين جدة وحفيدتها ،  ...  تمارين الإنشاء تصب في الأدب ،  والتلميذ من جهته يصوغ تمارينه على منوال كتب الأدب المدرسية ولا أحد يدري أين الأصل وأين الفرع " .

بقي أن نشير إلى كفاءة تلميذ الماضي وتلميذ الحاضر ، ففي الماضي كان المتعلم يستطيع حفظ العديد من المتون والأشعار ( معلقات ، أشعار ...).

وأيضا قراءة القصص والروايات ، كانت لا تنتهي السنة حتى تكون له مجموعة من المكتسبات والمعارف العديدة ، خاصة وأن التعليم كان يعتمد على المحتوى والتلقين. .

هذه النصوص الذائبة هي التي تؤسس لكتابة الإنشاء والتعبير وتطعيم الخيال .

لذلك أكد نقاد العرب قديما على ضرورة حفظ ألف بيت شعري لكتابة بيت واحد . ثم حديثا نجد جون بول سارتر في كتابه " ما الأدب " يؤكد على حتمية العلاقة بين القراءة والكتابة ، فلديه القراءة هي أصل كل مكتوب .

2 - القراءة والمتعلم :

المتعلم اليوم  نافر من الكتابة في الإنشاء ولا يعطي قيمة لمكون النصوص ، أو قول بشكل صريح لا يستطيع أن يكتب لأن المشكل بنيوي ومتعلق بالتمرين الذي لم ينجز في الابتدائي (إذا تعلق الأمر بتلميذ الثانوي الذي كان تنشر له القصص في المجالات والجرائد في السابق ) ، ثم اختلاف الرغبة الجامحة بين متعلمي الأمس واليوم مع وجود وسائل أخرى تأخذ حيزا كبيرا وتعد مضيعة للوقت ، والبعض منهم يعتبر ذلك أمر لا قيمة له  في عالم التكنولوجيا والتقنية الحديثة .   مع وجود بعض الحالات التي تكتب هذا التمرين ، وغالبا ما تجد الأمر راجع إلى الاهتمام بالقراءة ومراقبة أولياء الأمور لهم .

متعلم الماضي كان يعطي قيمة كبيرة للدرس وللمعلم الذي وصل الأمر حد تقديسه وتوقيره ، وهذا لعمري الأصل والأساس لكل منظومة تعليمية ومجتمع إذا ما أراد أن يتقدم ويتطور ، تقدمه كامن في احترام مربيه وأستاذه ، لهذا يقول المثل الصيني الشهير: ابتعد عن المعلم سبعة أقدام حتى لا تدوس على ظله بالخطأ .

يقول كيليطو: " كنا معجبين بمعلمي العريية ، كنا نعتبرهم أبطالا أو أنصاف آلهة ، فكان لدروسهم وقع كبير علينا. " .

وهاهنا تتضح كيف كانت علاقة المتعلم بأستاذه في ما مضى ، هذه العلاقة التي تحولت إلى عداء وصراع واضح ودائم اليوم ، لأن ما يربط هذا العلاقة هو العلامة التي تخول النجاح وهو أمر يعتبره المتعلم حق حتى لو لم يعمل على حصوله .

دون الحديث عن الصورة النمطية داخل المجتمع على تخصص الأدب التي زادت الفجوة بين المتعلم والأدب ، خاصة وأن التعليم يرتبط عندنا بسوق العمل والآفاق والوظيفة وهذه مسلمة لا يمكن إنكارها أو تغافلها ، لهذا لابد من إعادة النظر لقيمة الأدب والعلوم الإنسانية على حد سواء وأيضا إعطاء المعلم القيمة التي يستحقها ، بكل بساطة لأن الأدب والعلوم الإنسانية تصنع الإنسان وتربيه على القيم الكونية والمحلية : ( التسامح ، الأخلاق ، تقدير الآخر ...).

عندما كنا ندرس في مرحلة الثانوي التأهيلي ، كنا نعيش على وقع المنافسة الشرسة لمن يتفوق في مكون الإنشاء الذي كانت موضوعاته متعددة ومختلفة ، كنت أوظف كل ما قرأت أو شاهدت لأكتب في إطار الامكانات السردية :

مسلسلات تاريخية .

نصوص شعرية .

 سرود .

 حكايات الجدة .

 حكايات ألف ليلة وليلة.

وحصل ذات مرة أن كان موضوع الإنشاء حول مفهوم العدل ، أتذكر كيف حاولت الاستفادة من قصة الشاعر الجاهلي الزير سالم أبو ليلى المهلهل في بلورة موضوع الإنشاء ، وأتذكر كيف كنت في غاية السعادة لما حصلت على علامة جيدة مع تنويه أستاذ مادة اللغة العربية على المجهود المبذول .

       خاتمة :

في المحصلة لا يمكن إلا أن نؤكد على ضرورة القراءة المتعددة والمتنوعة والدائمة التي من شأنها تغذية العقل ومن ثمة القدرة على الكتابة والإبداع .

 

     

مراجع :

مسار : عبد الفتاح كيليطو ، دار توبقال للنشر ، ط 1 : 2014 ، ص :33

ما الأدب : جون بول سارتر، خلاصة الكتاب .

 

 

بقلم : الأستاذ عبد اللطيف السعيدي/ باحث في مجال الأدب والفنون والنقد.



Post a Comment

Previous Post Next Post