المقهى - الزبير لفنش

 



ستجد كل شيء، كل شيء هنا، و هناك و عندهم و عندنا. ها أنت لا تريد أن تصغي فقط استمع لي و اسمح لي أن أكلّمك. 

هناك يوجد فطور، و توجد مائدة، و يوجد كلّ شيء، فقط أنصت و اسمح لي أن أتكلم. 

هكذا كانت تتكلم إحدى المتسولات وسط ساحة الأمم المتحدة، وهي في أثر أحد السّياح من بلاد الخليج، كان  كلامها مزيجاً بين الدارجة المغربية و بعض العبارات الخليجية وفي الحقيقة قد كان وسط ذلك الهرج و المرج في السّاحة  مثل الطلاسم و أظن أنّ ذلك  هو سبب تجهم السّياح و هروبهم منها، إلاّ أنه في الجانب الآخر من الساحة كانت متسولة أخرى ترقص تحت انغام أغنية لم أسمعها من قبل و لكن كان رقصها متناغماً و متناسقاً، كأن جسمها تجسيد للأغنية .

 انقطع انغماسي في تلك المشاهد، بعد أن لمحته وهو  يطوف في أرجاء الساحة مثل قط جائع   خافضاً رأسه و هو يشتم  في كلّ المقاهي التي يمرّ بجانبها  باحثاً عن الطّعام...  كان رفيقي الجديد سوى مرشد سيّاحي، داكن البشرة  متسخ السمرة، جسمه هزيل و مقوس، كان يرتدي قميصاً أزرقاً رثاً  من ماركة أديداس و سروال جينز و حذاء ابيض قد شابه السّواد ولكن مثل  هؤلاء المرشدين  تعج بهم  المدينة القديمة! فهذا العمل لا يحتاج  من يزاوله أن يكون مؤهل علمي أو ذو دراسة في معهد متخصص أو  شيء من هذا القبيل.. 

هنا فقط يولد  المرء ويجد نفسه مرشداً سياحياً.  كل شيء عبثي أو مقدر، "مثل ما وجد في القدم  كان يزداد البعض و يرثوا أعمال أسلافهم " لو كان الأب مرشداً سياحي فالابن سيكون كذلك على الرغم من أنّ صديقي  الذي أصبح اسمه الأن "ك" ليس له تكوين أكاديمي أو شهادة تخوله  من ممارسة مهنة المرشد السياحي، حتى أنه لا يملك نطقاً جيداً اللغة الفرنسية و الإنجليزية إلاّ أنّه وجد فريسته ، 

حبيبين يطوفان في الساحة فانقض عليهما بلهجته  المنحطة و أسلوبه الركيك و هو يبتسم بذلك الفم المهدوم ورائحة التبغ و الخمر التي تفوح منه 

 حاول الزوج التملص منه و لكن الطفيلي لا يترك فريسته حتى يجفف اخر مجرى للدم .

ولكي أكون قريباً من كل ذلك المشهد قررت أن ألحقهم   كلانا طفيليات شخص يمتص  دماء البعض ليعيش و شخص يمتص حياة البعض للتسلية أو بفعل الملل لايهم  .

جال بهم في أزقة المدينة القديمة أو المتاهة، لفّ و لفّ بين الدروب وهو مسرع لم يأبه  هل الحبيبين مرتاحين  لسرعته غير أنه يلتفت في بعض المرات ليتأكد أن فريسته لازالت معه  كان يذهب بهم  إلى أحد المقاهي التي تستقبل ضحايا الطفيلي إلى أن هذه مرة حصل شيء مغاير.

 بعد أن وجد زقاقاً فارغاً من الأبنية، إلّا أن بداخله يوجد فندق  قديم يدعى فندق كانديدا ربما صاحب الفندق محب لفولتير أو أن فولتير سبب نجاحه في البكالوريا . ولكن الزقاق الذي خلف الفندق يعج بصوت الموسيقى والأنغام المبعثرة ، كان ذلك الهرج منبعثاً من مقهى وسط ذلك زقاق  لولا الضجة المنبعثة منها ستمر بجانبه دون أن تلاحظ وجوده، كأنه أصبح  يمتلك عقلاً  ووعي و يصيح انا موجود هنا. 

"إذن من يصيح فهو موجود" شيء من  النرجسية المطلقة تفوح من ذلك المقهى و ستخضع لها حتماً على يد صاغرة.

 رأى الطفيلي أن ذلك الملاذ هو مكان جيد للحبيبين، أنشئ في خياله سيناريو يوجد فيه حبيبين وسط مقهى في زقاق لو كان بدون موسيقى لما وجد و لكن وجد ليراه و يريه للحبيبين صفقة جيدة بينه و بين موسيقى المقهى. 

دفع حبيبن داخل المقهى، و هجم على صاحب المحل قائلا " لو كان للمقهى عقل يظن به أنه نرجسي بموسيقاه فأنا الأوحد في ملكيته و كل شيء ملكي" اخد قائمة الطعام و بدون أن يعلم هل يوجد حقاً كل ما كتب على  القائمة، أخذها و قدّمها للحبيبين، وهم طائعين له. 

  إلاّ أن جو المقهى و موسيقاه قد أزال ذلك التجهم الذي كان يعتري وجهيهما بسبب الطفيلي " نجاح آخر بنرجسيّة المقهى " أخد الطفيلي طلباتهم و حملها هو يتفاخر عند صاحب المقهى .

ووسط  صراع بنظرات الأعين،   بين صاحب المقهى و الطفيلي لم يرى أحد أنني مررت بجانبهم و جلست و طلبت أي شيء قد يستغرق وقتاً إلى أن أرى نهاية جيدة لهذه مسرحية.

بعد الصراع بالأعين، أذعن صاحب المقهى للطفيلي وحمل نفسه لصنع كل طلباتهم و من حسن حظهم توفّر كل ما طلبوا . 

"كأسين من موخيطو بدون خمريات" و طاجين اللحم المفروم و بطاطا مقلية"و على  الرغم من أنّ  الطاجين  يستغرق في طبخه ٢٥ دقيقة أو أكثر، هذا إن  لم يكن عند الطباخ طلبيات أخرى قبل الطاجين، إلاّ أن الطفيلي  هجم على الطباخ ووقف بجانبه، ليصير وقت تحضير الطاجين فقط ١٥دقيقة. شيء غريب و لا يقبله عقل هكذا وسوس دماغي. 

 تأمل الحبيبين المقهى ، لمحوا انعكاسهم في مرآة صغيرة بقربهم و استغراقا النظر في لوحتين معلّقتين فوق رأسيهما ،  وكانت هناك أيضاً بعض الكتب التي وجدت نفسها في أركان المقهى .

جاء الطاجين، و عاد الطفيلي، فتحه لهما، إلاّ أنه لم ينل إعجابهم ربما ، فأعدوا له الغطاء. 

لم أستطع أن أجلس وسط المقهى بعد أن أتممت مشروبي  الذي لولاه كنت سأبدو مثل المخبر الذي لا يجيد التّنكر. لأجد نفسي بعدها راحلاً من المقهى بعدما دفعت ثمن المشروب و أنا أعلم في نفسي أن المقهى خذلني و كان ذلك فوزاً أخراً له.  لقد احتسيت المشروب سريعاً ولم أعرف نهاية المسرحية.



Post a Comment

Previous Post Next Post