ملاك آخر يحرسني من السماء - هاجر سگام

 




الغالي عزيز

أكتب إليك هذه الكلمات و أنا على يقين أنّك لن تقرأها، و لن تعرف عنها شيئاً، لأنك الآن بجوار ربك الرحيم في جناته الواسعة،

إلى حدود الساعة 2:28 من فاتح يونيو 2023 و بعد مرور يومين على وفاتك ما زلت أراك في كل مكان ، في كوبك الذي تشرب فيه الحليب، في صالات المنزل و ردهته و أنت تتجول ببشاشتك و روحك المرحة ،تملئ الدنيا بقصصك و أحاديثك التي لا يمل منها في مزاحك معنا... أراك في دراجتك النارية التي مازالت تركن أمام المنزل تماماً حيث تركتها آخر مرة مازلت أراك في الشوارع و الطرقات تجول موزعاً التحية على الصغير و الكبير، تسأل عن أحوالهم تمازحهم تواسيهم...

لطالما كنت الصديق و الأخ للصغير و الكبير، أول الحاضرين و المواسين و المشاركين في أفراح الناس و أقراحهم، لا تتوانى عن الخدمة و لا تتأخر عن من دعاك و لا ترفض طلب السائل و تعطي و تعطي و تعطي و كان عطاؤك غير محدود و لا مشروط 

لم تكن تهتم بالمظاهر و لا تغريك الدنيا كنت تنتزع سعادتك عنوة من بين أنيابها و مخالبها كم كنت قوياً دون شطط و حنوناً دون وسط لم تكن متصنعاً و لا متكلفاً و لا منافقاً ولا حقود كنت صبوراً لا نسمع لك شكوى و لا تأفف حتى في أصعب أوقات مرضك و تعبك، خضت جميع معارك الحياة و انتصرت 

 أنت الرجل النبيل الذي لم يكن يرى في نفسه نبلا فيتفاخر بل ما كان انشغاله بنفسه أو بذاته أبداً لا بملذات ولا بشهوات 

عزيز أيها الغالي قد خرجت إلى المطلق فظهرت. وهذه أبيات أذكرك بها و قد انطبقت فيك أوصافها و كلماتها بل كنت تجسيداً و مازلت حياً أو ميتاً 

اُخرجْ من ذاتِك تظهرْ/ وابعدْ عن نفسِك تكبُرْ/ وتخطَّ الحدَّ الفاصلَ/ ما بين العرضِ وبين الجوهرْ/ فاذا ما اجتزتَ الهُوةْ/ واتحدتْ فيكَ القوةْ/ واتّسقَ المَخبرُ والمظهرْ/ فهنالك أرضُكَ تُثمرْ/ وسماؤك ليلًا أبدًا تُقمِرْ/ وهنالكَ تأتيكَ جميعُ الأسماءْ/ وهنالكَ يصفو النبعُ/ ويحلو الماءْ/ وتداعبُ كفُّ الخُضرةِ/ وجهَ الصحراءْ/ وهنالكَ لا تُغلَبُ أو تُقهَرْ/ 

طبت حياً و ميتاً أبدلت داراً خيرا من دارك و جلدا خير من جلدك و خلداً عند العزيز الرحيم و ذلك يقيني في رب العالمين 

لقذ كنت لي  أكثر من خالٍ منذ صغري كلما دخلت علينا دخلت بحضورك البهجة إلى قلبي و ارتسمت البسمة على شفاهي و تعالت ضحكاتي... كنت أراك صديقاً و نجماً لامعاً و أخاً أكبر  

لطالما كنت تحاول إقناع والدتي أن تأخذنا أنا أختي للبحر لتعلمنا السباحة و نظراً لخوفهم المبالغ علينا كانوا يرفضون، وكم كنت أحزن لذلك كبرت و لم أتعلم السباحة لكن كبر حبك في قلبي 

في مرة جئنا في عطلة  كالمعتاد، كنت تدرك أننا لا نخرج من المنزل كثيراً و غالباً لا تكون لدينا أي أنشطة صيفية، جئت مجدداً تطلب أن تأخذنا لمهرجان موازيين لتغيير الجو و مرة أخرى لم نذهب  فأسرة محافظة و بيتوتية تكدح طوال العام لا ترغب في العطلة الصيفية إلا بالراحة و الهدوء لا تريد أية مغامرات إضافية. 

كبرت و لم أذهب إلى الآن إلى مهرجان موازين لكن كبر حبك في قلبي 

لقد كنا أطفالاً لا نقل شغباً و فوضوية و كنا نمضي فترة ليست بالقليلة برفقتك - بيد أنها الآن تبدو كأنها كانت كلمح البصر - لكن لا أذكر لك أن قد نهرتنا يوماً ولا شتمتنا و لا رفعت صوتك ولا يديك علينا 

كانت زياراتك لمنزلنا في مدينة بوزنيقة  نادرة الحدوث لكنه كان عندي و أختي يوم العيد عندما تأتي بطلّتك البهيجة ، كنا لا نحب  لحظة رحيلك عن منزلنا... كانت لحظة كئيبة بالنسبة إلينا و ها قد رحلت عن الدنيا 

 كنت تعشق حيّك و جيرانك و أهلك فلا تغيب كثيراً حتى لمبيت ليلة واحدة كان هناك في حيّك بالرباط متنفسك و كنت أنت لنا متنفساً عندما تزورنا. 

 تواجدك بيننا كان يبعث على الأمان و السكينة، فإذا أراد أحد من الأسرة غلق باب المنزل يقال دعوها مفتوحة عزيز هنا. 

مازلت أحب أن أعتقد أنك في السماء بالأعلى تحرسنا تماما كما كنت تفعل من قبل...  و أنك لم تمت لأنك حي في قلوبنا

و أخيرا أدعو الله أن يمن على زوجته و أبنائه و إخوانه و أخواته و أصدقائه و معارفه  بالصبر و السلوان و أن يبدل همهم فرجاً و أن يجعل لنا و لهم من كل ضيق مخرجاً و أن يشفي صدورنا و صدورهم من مرارة الفقد. 


هاجر



رشيد سبابو

المؤسس و مدير التحرير

Enregistrer un commentaire

Plus récente Plus ancienne