لتشرقَ الشّمس

لتشرقَ الشّمس.. "وعِدْني إذا ما شبّهتُكَ ببيتٍ من الشّعرِ، ألّا تنكسر" صغيراً كنت أصطفّ في الباحة الكبيرة مع جمهرةٍ من زملائي في المدرسة الابتدائية، ونظراً لقصر قامتي كنتُ في الصّفوف الأولى دائماً، في الحقيقة لم أكن أستغلّ موقعي جيّداً، فغالباً ما كانت قبّعتي التي تضعها لي أمّي تغطّي لي نصفَ عينيّ، أمّا يداي فبالكاد كنت أرفعهما (لكثرة ملابسي الصّوفية المتراكمة على جسدي النّحيل البارد)، لأزيح عن عينيّ تلك القبّعةَ الصّوفيّة، لأرى العلمَ، ونحن نحييه أمام مدرّسينا ومديرةِ مدرستِنا، كان شيئاً مهمًّا بالنّسبةِ إلى طفلٍ مثلي في الصّفّ الأوّل الابتدائيّ، وفي مثل حجمي أن أقفَ في بردٍ قاسٍ جبينُه، لأردّد، أمام علمٍ حانيةٍ ملامحُه، شعاراً لم أكن أفهم معناه، ولا أعرف حدودَ انتهاء الكلمات فيه (رتراً ترادف، استارحْ....)، ولأرى حنوَّ شمسِ الشّتاء في بلادي علينا، محاولًا فقط إمساكَ ذهبَ أشعّتِها حين تُشرق! وحين انزاح ذاك الشّتاءُ وافترّ الربيعُ باسماً، قرّرت مدرستُنا أن تقيم حفلةً فيها مدعوون كثر.... وقد درّبتنا المعلّمةُ الشّقراءُ اللّطيفةُ الجميلةُ على رقصةٍ كان علينا أن نؤدّيها أمام ذوينا وأهالي التّلاميذ، كنت مستمتعاً جدّاً، وأنا أرقص لعينيّ أمّي اللّتين كانتا تتنقلان مع قدميّ، كان جلّ اهتمامي منصبّاً على شيئين اثنين فقط: عينيّ أمّي، وحركةَ أقدامي الصّغيرتين وأقدامَ أقراني لئلّا تحزنَ معلّمتنا اللَطيفةُ في حال الخطأ، ومرّة أخرى لم أعِ كيف لملاكِ الهدوءِ (فيروز) أن تغنّي بكلّ تلك الحماسة (كتبتُ مجدكِ في قلبي، وفي كتبي.. شآمُ أنتِ المجدُ لم يغبِ...)، يا إلهي لم هي الذّكرياتُ الآن؟!!! في هوّةٍ كعمر حضارة هذا الوطن سقطتُ... وحين أرادت لي أمّي ألا أغامر وأذهب للّعبِ في أقدار العمر التي ملأت الشّارع ، وهجّرت أقراني؛ ابتسمتُ مثل شيخٍ وقور غضّنت السّنون والتّجارب جبهتَه، وأنسته عمرَه الذي لم يعد يذكر منه سوى عمر هذه الحرب اللّعينة في وطني.... في هوّةٍ كعمر حضارة هذا الوطن انتفضتُ مسرعاً لأجمع من أترابي ضحكاتِكم التي دفّأت روحي التي جعلتني شيخاً في السّادسةِ والعشرين من عمري! كان عليّ، أنا أحمد عبد القادر السّوريّ المقيمُ متنقّلًا باحثًا عن حلمِ عملٍ في مدنِ في ألمانيا المتراشقة بطولِ المعمورةِ وعرضِها (هكذا تصوّرت)، أن أرتشفَ همّ أمّي أكثر من ذلك... لأخبرها أنّني الآن سعيد، وآمن، ومطمئنّ.... قد تسمّونها مقبرة أو فناء أو آخرة أو قيامة... كلّ ما فعلته أنّني امتهنت موتي، كما امتهنه أبناءُ وطني، بله وأطفاله أيضاً في ذلك (البلم)، كان آخر عهدي في هذي الحياة، وآخر عهدِ الأمانيّ في عالمٍ لم يعرف معنى أن تُشرقَ الشّمسُ عليَّ مرّةً أخرى، كما كانت تشرقُ، هنالك، في وطنيّ حين يطلُّ مبتسمًا وجهُ أمّي.. بقلم د. ثناء المحمّد للمزيد من المنتوجات الادبية المرجو متابعتنا على صفحاتنا @apolomagazineofficial @moroccan_writers #أدب_عربي #كتاب_مغاربة #مجلة_ابولو_الثقافية #أم #ذكريات


رشيد سبابو

المؤسس و مدير التحرير

إرسال تعليق

أحدث أقدم