في أول ليلة من رمضان تعلو البهجة الوجوه، والفرحة في عيون الناس لا توصف، والشوارع تزينها المصابيح، وإطلالة جميلة تظهر على وجوه روَّاد المساجد وصلوات وابتهالات، وانبعاث روح جديدة في النفوس، الأطفال يغنون ويلعبون بفوانيس مختلفة الأشكال والألوان، والدي يشمر عن ساعده لاستقبال الشهر الفضيل، وأمي نسمع منها كلمات ودندنات تشفي العليل، وأخي الأكبر يشتري من
مستلزمات الشهر القليل والكثير، وأختي تنظف البيت وتتراقص بالمنديل، وزوجتي تقوم بإعداد السحور للجميع، وأولادي بجانبي يلهون ويلعبون، أمَّا أنا فقد انتابني التفكير وأخذ يسرقني إلى السعير...
أغدًا رمضان؟ الصيام غدًا!
كيف؟ هل أستطيع أن أصوم بدون تناول سيجارة واحدة طوال اليوم؟
كلهم فرحون وأنا في غفلة التوهان، ابني يقول لي أريد أن أشتري فانوس رمضان مثل جارنا،
وأنا أحسب ثمن علبة السجائر قبل كل شيء، حرمت نفسي من ملذات الحياة من أجل التدخين، ومنعت عن فلذات كبدي ما يريدون، وفضلت هذا الدخان اللعين! ووجدت نفسي أتحجج لابني بحجج واهية كي أوفر لأشتري ما أردته لنفسي، وبالفعل ذهبت إلى السوبر ماركت، واشتريت أكبر كمية من السجائر بنهم شديد؛ الجميع من حولي يشترون العصائر
والزبادي والبلح ومستلزمات الشهر، لم استح منهم لأنني غائب العقل، ورجعت إلى بيتي محملا بأنواع السجائر، الكل ينظر لي في لهفة يترقبون بعض الحلوى، وأنا أتحجج بأنها أمانات للناس، ولكن هيهات وقد أضعت أمانة الله، فكيف أحافظ على أمانات الناس، بعد ساعات هبَّ الجميع لتناول طعام السحور، وأنا منهمك في حجرتي أتناول سيجارة
تلو سيجارة، لن أتوقف وكأني أخزن لليوم التالي لأنني سأصبح صائمًا، ولكن بُعدًا فلا يزيد النهم إلا نهمًا أكبر منه، ولا يزيد النوم إلا نوما ولا يزيد الحزن إلا حزنا، ولا يتولد
من الشر خيرا، شربت كمية كبيرة وأذن الفجر وأنا بفمي سيجارة، فأطفأتها وعزمت الصيام ونمت حتى صلاة الظهر، ثم استيقظت وصليت، ودماغي يكاد ينفجر من الصداع، أحتاج إلى سيجارة بفارغ الصبر، أو سأموت...
ما الحل؟
ومر الوقت ساعةً ساعةً كأنها سنة كاملة، حتى أذن العصر، ودماغي يكاد يدق بين حجرين من شدة الصداع، أحتاج إلى النكوتين، سيجارة! سيجارة!
وغلبني النوم لدقائق، ثم استيقظت كالمجنون، وذهبت إلى السوبر ماركت واشتريت
علبة من السجائر، وذهبت إلى البيت وفتحتها،
ووضعتها بجانبي، ولكن قولت في نفسي لأصلي العصر أولا، وقمت وما أن لامس ماء الوضوء جسدي حتى شعرت بالهدوء نسبيا، وبعد أن أنهيت الصلاة قلت لنفسي سأذهب
إلى الأرض الزراعية حيث الخضرة والماء والناس، لعلي أنسى هذا الأمر ولكن لا أستطيع، وفجأة وجدت نفسي أذهب إلى البيت في سرعة جنونية، وأخرجت السيجارة وقمت
بإشعال النار، ولكن سبحان من أوقفني عندها، تبقى على أذان المغرب ربع ساعة، أشعلت السيجارة وكدت أضعها في فمي، ولكن قلت كم أنت لعينة أيتها السيجارة تتحكمي فيّ، أين
إرادتي؟ أين عزمي؟ أين قوتي؟
ولملمت نفسي وجمعت قواي، وسكبت الماء على رأسي ووجهي كي أستطيع أن أمضي
هذه اللحظات، وأشرب بعدها ما يحلو لي.
و على حين غفلة أذن أذان المغرب، كدت أطير من الفرحة مع كلمة الله أكبر، وحينها أشعلت السيجارة مرة أخرى، ولكن هذه المرة بعزم قوي، وعندما بدأت أضعها في فمي قلت لنفسي أفطر على شربة ماء أولا، ثم أتناول ما لا عد ولا حد له من السجائر، و بعد جرعة الماء أسلمت نفسي للحائط وانتابني تفكير رهيب، كيف لهذه السيجارة أت تتحكم في وتجعلني لا أفكر إلا
فيما يرضيني فقط؟ أين أنا؟ هل هذا هو أنا، لا شك لا...
فقد أسلمت نفسي لجب عميق لا نور فيه ولا ماء ولا طائل من ورائه، ووجدت يدي تمسك بالسجائر الواحدة تلو الأخرى، أكسرها وأفركها وأدوسها بقدمي، والله لا علاقة لي بك بعد
اليوم أيتها اللعينة وقد صدق الشاعر حين قال:
"والنفس كالطفل إن تهمله شب على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمي".
نصيحتي لكل من تمسك بخصلة قبيحة، عليك بالتخلص منها سريعا وإلا قضت عليك، فانهض قبل فوات الأوان، وانسج لنفسك بيت الأمان، قبل أن تكون في طي النسيان، ويتنكر لك بني الإنسان، ويغويك عدوك الشيطان، وسطر لنفسك أثرًا جميلا... ولا تكن من الغافلين.
.
بقلم نبيل عبدالرؤوف السيد أحمد @nbylbdlrwf
(لقراءة تتمة النص المرجو التحقق من موقعنا على الانترنت)
للمزيد من المنتوجات الادبية المرجو متابعتنا على صفحاتنا @apolomagazineofficial
@moroccan_writers
#كتابات #مجلة_آبولو_الثقافية #أدب_عربي #يأس #سيجارة