شُعلة الأملِ الأخيرة - حفصة بن الشيخ


  

يستمر العالم في الدوران، ونحن نمضي مع سهوِ الحياة، من دون أن ندرك ذلك، تتطور الأجيال، فيختلف الحالي عن السابق، وها نحن الآن في جيل لم يفهم نفسه بنفسه، عزلة، هروب من الواقع، فساد، أنانية، جهل، وقطع صلة الرحم

هكذا نطقت  إمرأة مسنة ، نقش الزمان على وجهها تجاعيد الحياة، لكن العيون ذابلة، فقد رسم عليها الزمان ما رسم، ورائحة ما هناك بين أحضانها جمعت الأمان بالحنان، الماضي بالحاضر

في المقابل تنصِتُ مراهقة بذهن في مكان آخر، فتاة في ريعان الجمال، في أبهى معالم الرونق، شعر أحمر يتطاير كالنار، عيون بنية عسلية لو تأمل فيها المتأمل لنَسِيَ الزمان والمكان، لا مبالاة باردة تطغى على الجو، هكذا حال الجيل الحالي، هل فهموا الحياة قبل الوقت؟ أم أنهم استبقوا اللحظة أكثر من اللازم؟

:تُحدِّث الجدة قائلة للحفيدة التي تلتقط أصابعها الهاتف في لا مبالاة لما يحوم حولها

- أَهُناك واقع آخر في المواقع؟ يوما ما ستتمنين لو أنك تعودين لما عليه أنت الآن، ستتمنين لو أنك استغللت فيها كل لحظة بأدق تفاصيلها وبأكبر قدرٍ منها، أنا هنا الآن لكن غدا ربما لا مكان لي، عجلة الحياة تهرول مسرعة، وأنت لا تستشعرينها، قد يبدو غدا بعيدا، لكن حينما تستيقظين على خبر وفاة أحدهم سيكون قولك حينها (آه، كانت معنا فقط البارحة، وكأن الأمر حلم) حينها ستدفعين ثمن اللحظات التي مرَّت أمامك ولم تعطينها حقَّها. جميلتي، في هذا العالم بالرغم من قسوته، توجد تفاصيل مُهمَلة قد لا تتكر، مجرد غروب الشمس قد يحيي فيكِ الكثير، صوت العصافير، رخيخ أوراق الأشجار، غضب البحر، خيوط شروق الشمس، وجه أمك، لمة العائلة، رائحة القهوة، هدوء الفجر، قطرات الندى، سكون المطر... في الحياة ما يستحق الحياة، يوجد في الحياة ما يستحق الوقوف أمامه طويلاً، ما هي إلا .لحظات طِوال أقرب للخلود

:أجابت الفتاة ببرود الحجر، رمَت للجدة نظرة جامدة وهي تنطِق بصوتِ الضجر

-  خُلقنا لنموت، وكل شيء سيفوت، من أخبرك أنك غدا لن تكونين هنا، لربما أنا من لن ترينني مجددا، زمانكم رحل، وتوكيدات الصباح هاته نساها الزمن، لقد ظلَّت حبيسة لجيلكم، وحتى لو كانت نهاية العالم أمامي لا أكترث، من سيهتم للتراهات هاته، فالمستقبل مجهول وجيلنا فهِم الواقع مبكراً، ولم يعد كلامكم هذا يفلح، روحك جدتي حية أما روحي قد جثت على نفسها منذ زمان، تأتي لحظات يدرك فيها الإنسان أن كل شيء بلا فائدة، ولربما عشت بما فيه الكفاية لأفهم.

:تنهدَّت الجدة عميقاً فأجابت بابتسامة حسرة

-  ما أغرب هذا الزمان!! كيف أطفئ أرواحا لم تبدأ بعد في تخمة الحياة حتى؟ زمانكم غير زماننا، من كان يدري أن الحياة مليئة بالهموم إلى هذا الحد؟ قد يبدأ النهار كأي يوم عادي لكن بحلول الليل تدرك أنه قد وقعت أحداث كفيلة بتغيير مسارنا إلى الأبد.



رشيد سبابو

المؤسس و مدير التحرير

Enregistrer un commentaire

Plus récente Plus ancienne