يسوع الحالي - وائل رداد

 




أفاق الشاب من نومه ليكتشف في ذلك اليوم اكتسابه لتلك المقدرة المذهلة..

كان قد استفاق باكرًا لتفقد والدته المريضة منذ مدة، وكديدنه كل صباح، قصد حجرتها حيث تنام بوهن على سريرها، كي يتلمس جبهتها لقياس حرارتها تمهيدًا لتغيير الكمادات الدافئة الجافة بأخرى باردة رطبة، حين شهقت بضراوة كأنما بعثت من جديد، ونهضت لترمقه بنظرة متسعة غير مصدقة، مدمدمة وهي تتلمس بشرتها التي استعادت كثيرًا من نضرتها السابقة: "اختفت الحمى تماما!"

كانت قدرته الجديدة تلك تماثل مقدرة السيد المسيح في الشفاء، وتأكد لهما ذلك حين جرته والدته جرًا لدار جارتهما التي تسهر يوميًا على راحة زوجها نصف المشلول، إثر إصابة شنيعة وقعت له في موقع بناء، حين هوت السقالة الفولاذية فوق رأسه مباشرةً..

وحين لمسه الشاب، انتفض ذاهلاً هو الآخر وقد استعاد قدرته على النطق السليم والمشي الرشيق، فهلل الجميع غير مصدق..

وتناقلت البلاد سيرة الشاب الذي يمتلك حاليًا معجزة المسيح في الشفاء، الشفاء فحسب.. هو لا يُحيي الموتى، لكنه قادر على شفاء الأبرص والأعمى والمشلول بكل يسر، لم يتساءلوا عن مصدر تلك المعجزة أو لِمَ اختارت هذا الشاب تحديدًا، إذ كانوا يرحبون بالمعجزات مهما كان مصدرها، فلتكن إلهية أو حتى من عند الشيطان شخصيًا! هكذا، تحول الشاب ما بين عشية وضحاها لطبيبٍ مخضرم، عقبما كان مجرد شاب آخر في طوابير البطالة التي داهمت البلاد منذ سنين طوال..

وكان الحاكم يعاني هو الآخر من مرض جعله على حافة القبر، عدة أمراض بالأحرى قصرت من عمره الطويل، كان يحتضر، وتلك أنباء سعيدة بالنسبة لشعبه الذي عانى مطولاً من ظلمه وسياساته الجائرة..

وحين اقتيد الشاب إلى قصر الحاكم، كتم الشعب هواجسه وأفكاره المؤرقة، وفي تلك اللحظة، توحدت كل تلك الهواجس والأفكار، فتمنى الجميع لو لم يظهر ذلك الشاب بمقدرته تلك، ولو ظل كل مريض على حاله حتى يبزغ منجل الموت..

في القصر، كان الحاكم راقدًا على فراشه الضخم الوثير، وقد لاحت أوردته وعظامه أسفل جلده المصفر من فرط المعاناة..

دفعت زبانيته الشاب نحوه، فتقدم بخطواتٍ حثيثة مترددة، وأخيرًا، لمس رسغ الحاكم، فأفاق الأخير رامقًا الجميع بمقلتي الذهول والظفر، فهللت الزبانية بغير تصديق.. لكن، ما إن ترك الشاب رسغ الحاكم هنيهة حتى تهاوى كجثة بلا روح، وقد استعاد أمراضه كلها دفعة واحدة!

لاحت الدهشة على الوجوه، وكرر الشاب عملية لمس رسغ الحاكم، وفي كل مرة يظفر بذات النتيجة العجيبة، فالحاكم يفيق سليمًا معافى، فما إن يتركه الشاب حتى يسقط عقب برهة، مستعيدًا سائر أمراضه السابقة!

كانت معضلةً، إلا أن الزبانية عثروا على حل مُرضٍ لجميع الأطراف.. حسنٌ.. كان مرضيًا بالنسبة لهم وللحاكم فحسب!

هكذا، بات الحاكم يسير سليمًا معافى من جديد، وقد صُفد رسغ الفتى مع رسغ الحاكم في أغلال فولاذية ذات سلسلة قصيرة قدر لها أن تكون أزلية، وكلما شعر الحاكم بالإجهاد يسارع الشاب إلى لمسه كي يستعيد على الفور عافيته، وبهذه الطريقة، حُكِمَ على الشاب أن يغدو للأبد طبيب الحاكم ومرافقه الخاص..

وفي أعين وأذهان الشعب وعلى ألسنتهم، لم يعد الشاب يسوعًا جديدًا كما كانوا يسمونه في السابق، بل باتت تسميتهم الجديدة له كلما أبصروه متشبثًا بيأس برسغ الحاكم عبر تلك الأصفاد وهو يتبعه بذل: "كيس المحلول المتنقل!"



Post a Comment

Previous Post Next Post