أحلام جياع - أحمد سليمان أبكر

 



بيت حقير في أذيال الحي، لم تبق منه السنون غير جانب متداع تتوسطه غرفة بائسة ليس فيها من المتاع غير جرة ماء ومنضدة خشبية صغيرة عليها أواني بالية خالية، وأسرّة حقيرة تدل عن عوز مبرح وفقر مدقع.رهكذا يغدون في هذا البيت،رينامون على عتبة الفاقة ويصحون على اليأس، أجسامهم ضامرة، ألوانهم شاحبة، عيونهم غارقة تحت حواجبهم، ملامح وجوههم كصحائف رمادية متجعدة كتب عليها البؤس سطورًا غريبة ملتبسة. 

جاء الليل، والليل لا يجئ بمفرده أبدًا، فمعه يجئ الصمت القاتل، وحين يسود الصمت، تسكن الأنفاس، ولكن بلا توقف فقط تسكن، ويأتي دورها لتمارس نفس الطقوس اليومية، فيجلسون حائرين ضائعين مفكرين مجذوبين إلى مسارح الرؤيا  التي تتلو فيها الأرواح مأساة الحياة، ثم لم يلبثوا أن ينطوا مرتمين فوق فرشهم الوضيعة كالكلس على الجدران؛ مطحونين من الجوى كالقمح بين حجري الرحى، ملتاعين بالوجع دون صراخ.

أخـــذوا يتتـــبعون التــمثيل بين اليقظة والنوم كـــعادتهم، واضعين 

خدودهم على أيديهم، ومسندين مرافقهم إلى وسائدهم، ونفوسهم توّاقة إلى شيء يسدون به رمقهم، فترت حماستهم،استسلموا للأحلام، طافوا طويلًا في الطرقات، علّهم يجدون شيئًا يغتاتون به، دُهشوا لحظة شاهدوا صبية في أعمارهم يخرجون من بين الأزقة حاملين في أيديهم قطع خبز جافة، تجمّدوا في أماكنهم برهة، علقت نظراتهم بالقطع راودتهم فكرة خطفها، بدت الفكرة مجرد نبتة بدواخلهم، ثم ما لبثت أن نمت حتى صارت رغبة جامحة؛ جعلتهم ينطلقون نحو الصبية بكل ما بقي لهم من قوة،صرعوهم، اختطفوا القطع، لاذوا بها هاربين، عادوا إلى غرفتهم، أغلقوا الباب من خلفهم، جلسوا على حواف أسرّتهم لاهثين  متعبين، وأصابع كل منهم تتلمس قطعته بحنان، وقد همّ ببلها حتى تستعيد طراوتها ويقوى على التهامها.
فاقوا من غيبوبتهم المعجونة بالجنون، سمعوا صوتا آتيًا من وراء الجدارن يسألهم عن حالهم.حوّلوا وجوههم المهزولة نحو مصدر الصوت،ظهر على شفاههم المرتجفة خيال ابتسامة محزنة، وبصوت ضعيف خافت قالوا بصوت واحد:
من هناك؟
لم يجبهم أحد، هبوا من رقدتهم كالملسوعين، داروا بعيون شاخصة جامدة على  جدران وزوايا الغرفة، محاولين سكب نورها على مصدر الصوت، لكن لا شيء هناك سوى قطعة خبز جافة وضعتها لهم أمهم عــلى المنضدة التي بـجوراهم، من فرط حاجتهم إلى الطعام؛هجموا  عليها، وهم لايكادون يصدقون حقيقة وجودها بجانبهم.




رشيد سبابو

المؤسس و مدير التحرير

إرسال تعليق

أحدث أقدم