إلا إهانة العلم - محمد علي خضر

 



السيدة مها أبوزيد مديرة مدرسة السيدة خديجة الثانوية بنات شخصية ذات كاريزما خاصة اشتهرت بشخصيتها القوية وذكائها القيادى وبراعتها فى فن الإدارة وقصف جبهة الخصوم وذلك من خلال تطبيق منهجها وفلسفتها الخاصة فى مدرستها بعيدا عن قواعد الروتين والرسميات وتصديها للنفاق الإدارى لدى هؤلاء الذين يقولون مالا يفعلون تطبق روح القانون فى كل شئ وتضع الظروف الطارئة والاستثنائية للعاملين تحت قيادتها فى الاعتبار عند كل قرار تتخذه دون السماح بالتجاوز أو الإخلال أو التهاون فى واجبات المهنة .

لذلك كانت تتحلى بمرونة فى تحريك مواعيد الحضور والانصراف فى الحالات الطارئة والاستثنائية بشكل ودى كأن تسمح بالتأخير عشرين دقيقة بعد الطابور المدرسى للمعلم الذى ليس لديه جدول الحصة الأولى شريطة أن يتم إخطارها مسبقا, لذلك أحبها الجميع وتعاونوا معها فى كل المهام الموكلة إليهم بروح الفريق الواحد دون تمرد أو تذمر زار مدرستها في الصباح الباكر أحد المتابعين القادمين من وكالة الوزارة , وكان شخص روتينى بامتياز غليظ الفهم يدعى "سيد الكحلاوى" دخل هذا الزائر إلى حوش المدرسة دون أن يصافح أحدا ووقف للحظات يشهد طابور الصباح ويستمع إلى الإذاعة المدرسية وبينما فريق الإذاعة يقدم الموسيقى الوطنية لأغنية بلادى بلادى لك حبى وفؤادى وتستعد الطالبات لأداء تحية العلم غادر الأستاذ سيد طابور الصباح قبل أن ينتهى واتجه إلى مكتب الوكلاء وطلب منهم الاطلاع على سجلات المدرسة سجل قوائم الطالبات  وسجل دفتر الإشراف اليومى  .       

ثم طلب الاطلاع على سجل الحضور والانصراف الخاص بالمعلمين فتبين له أن هناك اثنين من المعلمين لم يوقعا فى سجل الحضور ولم يتم تغييبهم برغم مرور عشر دقائق على بدء الحصة الأولى فأخبرته مسئولة السجل بأنهما على وشك الحضور وأنهما استأذنا عشرون دقيقة لظرف طارئ فرفض قبول أعذار وقام بالتقفيل عليهم وأخبر مسئولة الدفتر بأن ترك خانة الحضور مفتوحة بعد انتهاء مواعيد الدوام الرسمية أمر غير مقبول ويعرضها للمساءلة القانونية وأضاف أنه لا مرونة فى مواعيد العمل الرسمية سواء كان لدى المعلم جدول بالحصة الأولى أم لا , وأن الإذن لا يعتد به إلا إذا كان إذنا رسميا ومدونا بالسجلات بورق رسمى وفى مواعيده المحددة .

وما أن انتهى من فحص السجلات المدرسية حتى صعد إلى فصول الطالبات وأخذ يحدق النظر أسفل مقاعد الطالبات فوجد مهملات وبقايا طعام وعلب عصائر فارغة فاستدعى عامل النظافة وقام بتوبيخه وكان رجلا معاقا يعانى من خشونة شديدة فى مفصل القدم ولا يقدر على صعود الدرج ولذلك قرر الأستاذ "سيد" تعطيل الحصة المدرسية وتكليف الطالبات بتنظيف الفصل وما أن غادر الفصل حتى توجه بعد ذلك إلى تفقد مرافق المدرسة الأخرى فوجد بالقرب من السياج بعض النباتات المثمرة من فول أخضر وفلفل وجرجير قام المعلمون بزراعتها , فطالب بإزالتها وإمهال إدارة المدرسة ثلاثة أيام لإزالتها بالكامل ونبه على عدم زراعة أشجار مثمرة بالمدرسة ثم توجه بعد ذلك إلى مكتب مدير المدرسة وهو عابس الوجه مكفهر ودون في سجل الزوار مجموعة من السلبيات التي أخذها على المدرسة أثناء الزيارة وهى: أولا: ظاهرة تأخر بعض المعلمين عن مواعيد العمل الرسمية وتساهل المديرة مع هذه الظاهرة وعدم قيام إدارة المدرسة بتغييبهم  واعتبار ذلك إخلال بواجبات المهنة.

ثانيا :عدم السماح بزراعة نباتات مثمرة في فناء المدرسة لمخالفة ذلك لقرارات الوزارة.

ثالثا: عدم الاهتمام بنظافة فصول المدرسة وأنه بالمرور على بعض الفصول لاحظ وجود أكياس شيبسي وفوارغ عصير أسفل المقاعد بصورة ملفتة.

لقد اطلعت مديرة المدرسة على ما كتبه الزائر في سجل المدرسة وكيف أنه حول الإنسانية والمرونة في التعامل مع المعلمين إلى سلبيات تؤخذ على إدارة المدرسة وتعامل مع الجرجير و الفول المزروع على مساحة صغيرة وكأنه نبات خشخاش في المدرسة فاستشاطت غضبا و اعتبرت أن ما دونه في السجل تجاوز غير مقبول ينال من هيبتها و مكانتها ومن سمعة مدرستها وأبدت اعتراضا على تدخله في طريقة إدارتها للمدرسة وعلى الفور التقطت بمهارة و ألمعية شديدة سلبياته هو أثناء الزيارة وواجهته بها ووضعته في موقف لا يحسد عليه .

فقالت فى لهجة صارمة:

-      حضرة المتابع لقد وقعت فى المحظور وارتكبت مخالفات خطيرة تعرضك للمساءلة القانونية ولن أجعلها تمر مرور الكرام وأول هذه المخالفات هى إهانتك لعلم الجمهورية حيث غادرت فناء المدرسة أثناء تحية الطالبات للعلم . وأدرت ظهرك للعلم وأنت المسئول القدوة وقمت بالتجول فى حجرات المدرسة فى الوقت الذى وقف فيه الجميع طالبات ومعلمون احتراما وتوقيرا للعلم (وهي جريمة عقوبتها في نص القانون الحبس لمدة ستة أشهر) .

ثم إنك ارتكبت مخالفة أخلاقية أخرى أثناء تفقدك للفصول الدراسية وذلك بتحديق النظر أسفل مقاعد البنات وتعمد النظر إلى أقدامهن وهذا ما دونته بنفسك فى سجلات المدرسة .

لقد كتبت تقول بأنك وجدت قمامة وفوارغ طعام وشراب أسفل المقاعد , ومعنى ذلك أنك بدلا من متابعة سير الحصة المدرسية وأداء المعلم وشرحه على السبورة كنت تتلصص النظر إلى أقدام الفتيات فى الفصل , كما قمت بتعطيل الحصة الدراسية وإجبار البنات على الانحناء على الأرض بحجة جمع القمامة.

وقف المتابع مبهوتا يستمع إلى كلام المديرة وهو ينتقض وجسده يرتعد , والعرق يتصبب منه , ولم يستطع الدفاع عن نفسه من شدة صدمته , لقد نجحت المديرة فى جعله يقف وقفه المتهم أمامها .

وقرر سحب كل الملاحظات السلبية التى سجلها على المدرسة .

واستبدلها بديباجة شكر والاعتذار للمديرة عن تدخله فى طريقة إدارتها للمدرسة.

ثم أمسك بعلم مصر الصغير الموجود على مكتب المديرة وقام بتقبيله أمام الحضور وهو يقول إلا إهانة العلم.

 وقد تعلم درسا مهما في حياته مفاده أننا جميعا قادرون على تصيد الأخطاء وتحري السلبيات لبعضنا البعض ، وأن كل منا يستطيع أن يملك الحجة على الآخر وأن يأتي بالدليل والبرهان الذي يدينه،  وألا أحد بريء تماما من السهو والخطأ  وأن الحماس لصناعة السلبيات وتضخيمها والدفاع عنها وإبرازها أمر في متناول الجميع وهو يتنافى مع مبادىء الأخلاق وقواعد السلوك  ولا يوفر أرضية مناسبة للعطاء والعمل وأن في كل أفعال وتصرفات البشر ما يمكن تفسيره وتأويله بالشيء ونقيضه علي حسب النوايا(كنظرة المتابع أسفل مقاعد البنات )

وأن القيادة الناجحة لا يجب لها أن تغفل أو تتجاهل الجوانب الإنسانية في ميادين العمل،  وأن المرونة في تطبيق القوانين هي من أخلاقيات المهنة  وهو ما تفهمه المتابع في آخر الأمر،  كما تعهد بنقل وجهة نظر المديرة إلى المسؤولين بالسماح بزراعة نباتات مثمرة في المدارس ومراجعة القرارات الوزارية السابقة في هذا الأمر،  كما اعتذرت المديرة عن السلبيات التي رصدها المتابع ووعدت بالمرور على الأدوار ومتابعة نظافة الفصول بنفسها وبدوره اعتذر المتابع عن تجاهل تحية العلم وقال إلا إهانة العلم .




رشيد سبابو

المؤسس و مدير التحرير

إرسال تعليق

أحدث أقدم