وصفة اليوم : مثقف بالشوكولاتة - أيهم رياض الحمد

 




في حياتي التي تبلغ حتى الآن ثمانية عشر ربيعاً لم يصدف أن عرفت حقاً شخصاً  مهتماً بالكتب و القراءة بالقدر الذي اهتم به

ولكنني-والله يشهد- لم أدعي الثقافة يوماً 

لم أكن في الحقيقة ك د.أحمد خالد توفيق رحمه الله في صغره أؤمن أن كل كلمة في أي قصاصة ورق على أي أرض أو حائط يحب أن تقرأ ، كل حرف منها مهم بل مهم جداً لدرجة الموت غيضاً لو لم أقرأه.

كان يقرأ كالسلحفاة ،بطيء جداً 

ويجب أن يُقرأ كل ذلك بتأنٍ و حذر، لكنني في الواقع، كانت عيناي تقفزان فوق الكلام  قفزاً كما يقفز القرد من غصن شجرة لأخر في غابات الأمازون. 

لذلك كنت قادرا على إنهاء ما يقرب من ال 380 إلى 400 صفحة فيما يقارب ال 5 ساعات تقريباً كنت أشبه بمفرمة ورق أكثر مني إنساناً....!!

وأنهي ذلك كله و أنا حافظ للنص الذي قرأته غيباً، ولو كنت أوظف تلك الموهبة في الدراسة لغدوت أفضل من أينشتاين نفسه، لذا اعتزلت الناس أجلس وحدي في المنزل ومعي كتاب،

اتخفى في الكلية و أتوارى عن الأنظار كي لا يتهمني الناس بالثقافة المفرطة و معي أيضاً كتاب آخر...

حتى وصلت لمرحلة لا أعرف من هم  معي في نفس الكلية.

وفي أحد الأيام جائني شخص أتضح أن زميل لي في الكلية، طبعاً صافحني وجلس جواري مع أن معرفتنا سطحية جداً جداً جداً جداً....

سألني دون مقدمات إن كنت أعرف عناوين كتب أدله عليها تعينه ليدخل عالم القراءة الواسع

فحددت له بعض العناوين الجميلة و المناسبة

فشكرني بحرارة و صافحني والإبتسامة لا تفارق وجهه وهم بالمغادرة. 

بعد فترة لا تتعدى أسبوعاً أصبحت أراه يصول و يجول في ساحات الكلية متباهياً بمجلد ضخم جداً يحمله أينما ذهب مع عنوان مكتوب بخط واضح للعيان "الأعمال الكاملة لديستيوفسكي"

طبعاً لا بد لديستوفسكي أن يكون موجوداً في حياة كل قارئ ووجوده دلالة لا شك فيها أنه قارئ متمرس مخضرم، قارئ لا يشق له غبار. 

لدرجة أنك تظنه الإله بوكوريوس،

و بوكوريوس هذا إله فرعوني يملك مفاتيح كل ما خُط وكُتب،حتى الفراعنة أنفسهم لم يسمعوا به قبلاً, ولكن اسمع تلك المعلومة الجديدة عني فأنا أعرف أكثر من أولئك المومياءات المحنطة عديمة التفكير،و لكن على كل حال فأسبوع واحدا ليس كفيلاً بصنع كل هذا...!!!

 كان يتحدث إلى هذا ويمزح مع ذاك ويلقي النكات الثقافية في كل مكان وأقسم أن البعض لأوشكوا على جلب القدور و كل ما يمكن أن يغرفوا و ينهلوا به من ثقافة و علم هذا العملاق، وطبعاً فكل هؤلاء لم يلحظوا أن المجلد نفسه لم يتغير منذ شهر وأجزم حقاً أنه لم يلحظ ذلك البتة. 

أُدرك متأخراً أنني صنعت وحشاً لا يمكن السيطرة عليه وحشاً سيطرت عليه كبرياء التعلم المبكر، وسحرته فكرة أن يكون مثقفاً كبيراً ويستشيره هذا و يأخذ ذاك رأيه،

ولا يقطع بعضهم بأمر الإ بإذنه. 

فهو كالذي يحلم أن يصير كاتباً كبيراً،

وهو يكتب فعلن بالنون بدلاً من فعلاً

و حسنن بدلاً من حسناً .... إلخ

غر متكبر عديم الثقافة التي يدعيها 

فكرت في أن أفسد عليه ماهو فيه و أضعه في مواقف محرجة لا يرفع رأسه بعدها

لكنني عزفت عن تلك الفكرة في اللحظة الأخيرة، كم هم كثر هؤلاء الذين يشبهون صاحبنا هذا وهم كثر موجودون في كل مكان تقريباً في كل صف و كل عائلة وكل مجموعة أصدقاء ولا أشك في أن نكون -أنت وأنا-منهم غير أنني أطلق على هذا النوع الذي يشبه صاحبنا ب"المثقف بالشوكولاتة" و لكنه مثقف بالشوكولاتة المحلية

"رائحة بلا طعم"...!!!



Post a Comment

Previous Post Next Post