عائلة مقدسة

عائلة مقدسة كانت من أصعب القصص التي سردت لي، من أحد حراس زنزانات السجن بمدينتي، رجل بدوي أربعيني سُجن بتهمة -زنا المحارم- ممارسة الجنس على ابنته الصغيرة، مذ كان سنها ثمانية أعوام، إلى أن كُشفت الجريمة عند بلوغها السادسة عشر، حيث لاحظت الأم علامات الحمل على ابنتها، ظانّة الحمل من شخص آخر، إلى أن صُدِمت باعتراف الفتاة المسكينة : " بَّا بَّا ! هُوَ هوَ اللي دار هوكا غيقتلني مِّي غيقتلني.." صرخت الأم وندبت خديها، وحملت ابنتها إلى منزل والديها، ثم ذهبت مع أخيها البكر إلى مركز الشرطة وبلغت عن الجريمة، لم يكذب الأب في التحقيق وحاشا أن أقول عنه أبا بل وحش، كان يتكلم بكل ثقة و أريحية، لا يشعر بأي أسف تجاه ما فعل، كأنه يتحدى القانون والعالم أجمع، لا يحمل ذرة خجل أو ندم وهو يقول : " كتبها علينا المكتوب ". وفي حديث الأم وهي تبكي بحسرة : " أنا السبَب أنا! فين ما تخاصمت معاه كنت كنهز حوايجي ونمشي لدارنا ونخليها ليه! أنا سْبَاب بنتي ف حمالتها..." وفي نظرات العم ألم ودموع مخفية لا تشاء النزول، كأنه يرجو الله لو يسحب روحه منه في الحال، لفضيحة أخيه التي تقشعر منها الأبدان، كأنه يقول : " اااخ يا أخي كنت سأتوقعها من الجميع إلا أنت ". كل من في الدوار لم يتحمل الفاجعة، خاصة مِن هذا الرجل الذي رأوا فيه معالم المروءة والوقار، هذا الذي يحترمه ويخشاه كل فرد من عائلته الكبيرة. من سيتوقع؟ أب كان يقتل ابنته في صمت لسنوات، ويهددها بذبحها والسكين بين يديه القذرتين، إن أخبرت أحدًا. من سيوضع عليه اللوم الآن؟ ذاك الذي يسمى أبا؟ أم الفتاة التي صمتت عن ألمها؟ أم الأم التي لم تهتم لابنتها وتركتها لوحدها؟ لكن كيف لها أن تعرف أن ابنتها مع وحش في المنزل؟ وكيف لفتاة بعمر الثامنة لا تعلم معنى الاغتصاب أو الجنس، أن تواجه رجلا وصفته ثقافتنا وديننا بأنه الأمان؟ رجل من المحارم على الفتاة! كيف؟ ما آلمني أكثر أن البعض من العائلات القروية الجاهلة لم تنظر لهذه الفتاة بنظرة الضحية، بل رأتها بعين الاحتقار فقط! كأنها اختارت ما حدث، وهي في الحقيقة مغلوب على أمرها، مسكينة هي والجنين بين أحشائها! أخ وابن في نفس الوقت! إذا وُلِد هذا الطفل مشَوّها مريضا، كيف سيتحمل هذه الحياة القاسية عليه؟ وإذا لم يعان من أي مرض وكان طبيعيا، كيف سيعيش؟ بصفته من؟ أخ أمه أم ابنها؟ أمٌ في السادسة عشر من عمرها، لا تفقه شيئا عن الأمومة أو التربية. الجهل يلحقنا أينما حللنا ومهما تطورنا، على مر السنين يظل الجهل قاتلا لهذه البلاد المريضة -الأغلب منها- أهاليها! قصة من بين المئات أو الآلاف في بلدنا الحبيب، البعض منها عُرف وعوقب المجرم، والبعض الآخر لازال سرا تصمت عنه العائلات بدعوى القداسة، هذا ما يحصل عند تقديس العائلة، عندما يتكلم الناس أجمع تحت شعار واحد موَّحد: " مهما فعل سيظل أبوك، ستبقى أمك، أخوك، جدك، عمك، خالك! اصمت، لا تخبر أحدا، بيني وبينك، انسى ما حصل..." والكثير من الكلام السهل على اللسان والأصعب على التطبيق، كأنهم يطلبون منك أن تموت في بر أمانك! أن تدفن أحزانك وآلامك وماضيك فيك! لا أؤمن بهذه الفكرة ولا أقدس العائلة، مهما كنت ومهما كانت مكانتك في الأسرة أو العائلة أو غيرها، أبي أو جدي أو أمي التي أنجبتني، إذا فعلت الخطأ سأعاقبك! فلتذهب هذه العائلة للجحيم إن كانت مقبرة لبراءة الطفولة وطموح الشباب! ألعنها صباح مساء إن كانت طاعونا يقتل روح إنسان. بقلم ليلى نصير @nassimlailoucha للمزيد من المنتوجات الادبية المرجو متابعتنا على صفحاتنا @apolomagazineoffficial @Moroccan_writers


رشيد سبابو

المؤسس و مدير التحرير

إرسال تعليق

أحدث أقدم