قاعٌ مُجْحِفٌ

قاعٌ مُجْحِفٌ عزيزتي الأبنوسة! أمنيتي أن أعيش في فضاء بِلا سياسة مجهّضة... بلا صِراعات دينية، فضاء بِلا فصائل أو تفرقة عنصرية، فضاء لا صراع هوية فيه، فضاء بِه حُريّة وفن، و المكتبات مكتظة بالكتب في شوارعها، و تحترم الفِكر وتؤمن بإنسانية الإنسان. أخرجيني مِن هُنا يا أبنوسة، أحرقي كُل ذِكرىَ في عَقلي متعلقة بِهذا المكان الملعون، اقتلعيني مِن الذاكِرة ومِن الزمان، أُرغبُ في نسيان كُل شيء... مصائبي وذكرياتي، أحلامي ودفتر مُلاحظاتي، هواجسي وأفكاري، مُعاناتي الملتهبة، أصدقائي وأحبابي وعِلاقاتي... كُل شيء يا أبنوسة! أنا هُنا أحترِق، وهذا الفضاء الذي نعيشه يختنق، الديكتاتور أطلق جواسيسهُ في كُل منزلٍ وشارع وزقاق، فرض الضرائب على الحب والأحلام، وعلى التفكير الحر والهُدوء وحتّى الكلام. المنافقون السذج يسبحون بحمدهِ، ويأمروننا بِالسجود لهُ، يَطلبون مِنّا تَقديم القرابين في مِحراب السلطة، والكفر بدين الثورة، هُنا مدينة الدين الواحد.... دين الديكتاتورية. عقيدة هذا الوطَن هي الغباء والتجهيل الممنهج، نسير كالعميان أو كالقطيع وراء ذيل البقرة، يقودُنا الجُبناء وفقراء الذاكرة، يتقدمنا رؤوس الفساد، في الصُفوف الأولى التافِهون، وفي المؤخرة ينامُ الأذكياء و المفكرون الذين يدركون دولة الإنسان والسلام. نحنُ في عصر الإعلام المضلل، والمزيفون هُم مثقفو النخب والأدباء، والمؤرخون الذين لم يسطروا تاريخنا الماضي العظيم قبل خمسة آلاف سنة، وحضارتنا العظيمة وادي النيل هي البداية، سبقتها حضارة بلاد الرافدين السومرية جنوب العراق وسوريا حالياً، و سَحروا العُقول جيلا وراء جيل بالثقافة الدخيلة، و اضمحلال فكرها وهويتها، بميكانيزمات الأسلمة والتعريب، والخُطباء نَصبوا الطاغية إلَهًا وأمروا الناس بِعبادَتهِ. القانون هُنا هوَ قانون الحِرباء، كما في قِصّة تشيخوف، هُنا كُل صِفات مدينة نيتشه العُظمىَ التي لَعنَها مَجنون زاراديشت. آه يا أبنوسة! لَو تَستطيعين مَحو أثري من هذا العالم وتبديل ملامحي، لَو تَستطيعين مَنع الحُروب وإنارة الدُروب باليقظة الفكرية والمعرفية، آه لَو يُمكنكِ تَصحيح أخطائي في الكِتابة وانتزاع مِن قلبي الكآبة، ربما فقط لو أمكنكِ إعادة تشكيل هذا الوطَن وإنقاذي مِن عَقلي، لغدَت الحياة جنّة. لَو أنّكِ جِنيّة تَحقيق الأمنيات لَكُنتِ فعلتِ، ولَكنكِ بائِسة مِثلي، ضَعيفة ومُنكسِرة وصامِتة، تأتينَ إليَّ لِتواسيني وتُخفّفي عَني آلامي... شُكراً لَكِ جداً يا أبنوسة الصنديدة، لا داعي لِلمواساة وتَضييع الوَقت، ارحَلي أنتِ إلى وطنَكِ الآمِن، وسأبقىَ أنا هُنا... في سكتي التائِهة ووَطني الضائع، إلى حينٍ نبني فيه دولة الإنسان والسلام. بقلم د الباقي حمدان أدم إسماعيل‏ للمزيد من المنتوجات الادبية المرجو متابعتنا على صفحاتنا @apolomagazineofficial @moroccan_writers #أدب_عربي #مجلة_آبولو_الثقافية #سياسة #انسانية #ذكريات


رشيد سبابو

المؤسس و مدير التحرير

إرسال تعليق

أحدث أقدم