مذكرات أمل - خولة جدي





الأخ الحنون نعمة. ما أسوأ أن يعاني الإنسان من عائلته، أن تتحول العائلة من الملاذ والملجأ إلى الجحيم المُحَتم الذي تحاول دائما الفرار منه. أن يتحول أخوك وسندك إلى أكبر عدو لك، كم أكرهه أكن له من الحقد أطنانا، لن أنسى تلك الأيام التي كان يبرحني فيها ضربا ويتركني أتلوى ألما لن أنسى كيف كان يهينني ويحتقرني ويذلني.لن أنسى تلك الكلمات الجارحة التي كان يلقيها في وجهي غير عابئ بي. ولله لن أنسى كم ليلة حرمت النوم بسبب الألم الذي يخلفه ضربه المتوحش على جسدي. لم أنسى كيف كنت في صراع دائم مع نفسي من أجل إخفاء دموعي وإظهار إبتسامتي العريضة في وجه الجميع. لن أنسى كيف ينعصر قلبي حسرة كلما سمعت فتاة تذكر أخاها بالخير لأتذكر أنا الكائن المتوحش الذي يقطن معي والذي لا تجمعه بالبشرية أي صلة. أقسم لك أنني أكرهك، أكره كوني أختك بالقدر الذي أكره فيه كونك أخي. أي ذنب فعلت يالله لأبتلى بأخ مثله، الأمر يفوق طاقتي صدقني يا الله ، انا لم أعد قادرة على تحمل المزيد. لماذا كل هذا؟، لن أنسى كيف ضربت ظلما مراراً وتكراراً، وبدون ان يعيرني فسحة للحديث وشرح الموقف له، لن أنسى كم مرة شتمني أمام الجميع وكم مرة أغلق الباب في وجهي. لن انسى كم مرة أحنيت رأسي غير قادرة على الرد خوفا من العنف، أصبحت أحس وكأن جسدي كبش فداء له، أنا لا أملك جسدي...أنا كل ما أملك هو الالم!، لم أظن يوما أنه سيأتي علي زمن أتمنى فيه الموت، الموت وفقط، أخشى الانتحار يالله خوفا من عذابك، لكنني لا طاقة لي لأصبر على المزيد، أفتقر لشعور الطمأنينة والأمان، إشتقت لخولة الصغيرة. ليتني مت صغيرة دون أن أواجه كل هذا، المعركة التي أخوضها تكبرني كثيرا ، عيناي أصبحتا منتفختين بالبكاء، الكل لاحظ ذلك صديقاتي، أساتذتي، العائلة، الجيران، الكل أصبح يعلم جيداً أنني ذابلة من الداخل بالرغم من إزدهاري من الخارج. أصبحت أحاول إخفاء دموعي لكن الأمر خرج عن السيطرة، أكثر ما أصبح يحطمني هو أخي الأصغر الذي أصبح ينعتني بنفس الألفاظ التي ينعتني بها ذلك المتوحش. لا أملك ملاذاً أو حتى ملجأً صدقوني، لن أنسى تلك الصفعات المتتالية التي تلقيتها من طرف ذلك المتوحش أمام أبي الذي لم يحرك ساكنا بل إكتفى بالمشاهدة في صمت، كنت أشعر وكأنه يستمتع هو الأخر برؤيتي في تلك الحالة، لا أعلم لماذا تم إنجابي أصلا ً إن كنت سأواجه هذا المصير، لا أملك شيئا يدفعني للعيش سوى صديقتي "حسناء"، والتي أفتقدها الأن. أشتقت للبكاء بين أحضانها واشتقت للجلوس والتحدث عن كل مشاكلي بلا قيود أو تصنع،إشتقت لمواساتها لي ونصائحها، هي الأخرى ذهبت لمكان بعيد من أجل مستقبلها، وأنا التعيسة التي لا مستقبل لي ها أنا أعاني في صمت أدفن حقدي وغليلي وحزني بداخلي ، أصبحت جثة هامدة لا تعي ما تفعله تكتفي بالصمت والمشاهدة من بعيد.


أملك غرفة بالمنزل ليست كبيرة للغاية، أصبحت تلك الغرفة هي كل ثروتي. جدرانها تشهد على كل الليالي التي كنت أحزن فيها وأسعد أيضا، بالرغم من أن هذه الأخيرة أصبحت أحن إليها في حياتي، وسادتي تعُدُ كل دمعة أردفتها ليلا، ملابسي المبعثرة في الغرفة تعرف كم مرةً أهوي عليها من الضعف، غطائي أصبح مجعداً من كثرة إمساكي به والبكاء بصوت مكتوم عليه. كل شيء في غرفتي أصبح يعي جيدا أنني أعاني من ذلك المتوحش. في بعض الأحيان أجلس لوهلة  وأفكر لماذا ولد ذلك المتوحش؟ لماذا هذه العائلة بالذات؟ لماذ من المستوجب أن أكون أنا  الضحية هنا؟ أو بالأحرى لماذا ولدت؟ ولدت لأنني أنا الفتاة الوحيدة والدخيلة على هذه العائلة.

أتعلمون شيئا؟إنني كلما نظرت في وجهه شعرت بالقرف، بالكره والحقد واليأس والتعاسة في ٱن واحد، أحيانا أحدث نفسي وأحاول إقناعها بأن كل ما يقوم به فقط من أجل مصلحتي، لكنني لا أرى ذلك حقا، أحس وكأنه يريد فقط الأنتقام، والإنتقام لأمر مجهول، أحس وكأنه  يشعر بالسعادة ويتلذذ كلما رآني أبكي ألما، مع تمام العلم أنه كل ما احتاج لشيء، إلا ووجدني أول المضحين من أجله وأفديه بكل شيء. لكن هو حقا متوحش. صدقوني الأمر أكبر مما تتوقعون، لا يعقل أن يكون إنسانا طبيعيا، هو يعاني من إضطرابات نفسية، هو مجنون، أحمق، نعم نعم أحمق ، وأنا خائفة من ذلك الأحمق لحد الذعر، أنا أشعر بالخوف، أنا عاجزة على إنقاد نفسي، أشعر وكأنني مكتوفة الأيدي أمامه، أشعر وكأنني دابة خلقت لتعذب لا أكثر لتعاني فقط، لكن في الحقيقة أنا أستحق ذلك  أجل، أستحق لأنني ولدت ، أستحق لأنني أتيت لهذه الحياة الملعونة، نعم أستحق!. 



رشيد سبابو

المؤسس و مدير التحرير

إرسال تعليق

أحدث أقدم